وريحٌ مجنونة هوجاء، تضج وتصخب في عنف وقوة، فتكاد تجتث الأشجار والأحياء. . .
وبحر ثائر، وأمواج مزبدة غاضبة، كأنما يعول فيها ألف مارد وشيطان.
تباً لهذه الصحراء من حرباء. . .
وبغضاً لهذا البحر من منافق. . .
لطالما كنت أحب هدوءهما، وأنعم بالسكينة في جوارهما، ولم أك أدري أنّ وراء هذا الهدوء كل هذه البراكين التي تقذف بالححم واللهب، ولم أك أعلم أن وراء هذه السكينة كل هذه الزلازل التي تحطم وتخرب. إنها الطبيعة انطلقت سافرة، ونضت عنها قناعها، وبان منها الناب والظفر. . .
أويت إلى داري، وأوصدت عليّ أبوابها ووقفت وراء زجاج النافذة أشهد عراك العناصر وانطلاقها، فإذا السماء ترجمني ببرد كالصخر، وإذا الزجاج يتحطم عن يميني وعن شمالي، وتتناثر شظاياه وتملأ أرض القاعة، وكأنما ساء الطبيعة أن تراني أتأمل وجهها الغاضب والغضب يمسخ الوجوه، ويضفي عليها ألواناً بغيضة، وهي لا تحب للإنسان أن يرى سوأتها وقبحها
صافح سمعي قرع خفيف على باب الدار فقلت لنفسي وأنا أشعل لفافتي، وأتأمل لهب الثقاب حتى لكأنما عزّ عليّ أن تخلوا هذه الثورة كلها من لهب ونار؟!
- ما خطب هذه الرياح التي ما تفتأ ترجمني، فما أنا بإبليس، وما داري بالعقبة وما تلك بشهور الحج. . . وما. . .
وعاد القرع قوياً شديداً، فنهضت لأستقبل طريد العاصفة، فإذا هو زنجي عملاق، ابتلت منه