كان الإسلام ثورة هائلة من ثورات الطبيعة الكبرى على جمود العقل البشري وتحجره، فأطلقه بعد أن كان موثقا في قيود الأوهام والخرافات، وأشعره بقيمته بعد أن كان فانيا في تفاهات الحياة وصغارها، وقلب أوضاع تلك الحياة رأساً على عقب وأبدلها بأوضاع أجدر بشرف الإنسان وكرامته. وتلك هي ظيفة الثورة الإصلاحية في كل زمان.
وإذا كانت الثورة كما يعرفها أحد كتاب الغرب (هي سقوط وتهدم يحدثان في قترة صغيرة لجميع ما كان يعد إلى ذلك الوقت أصلا للحياة الاجتماعية والاقتصادية والدينية والسياسية في الأمة) فما أحرانا ونحن بصدد التحدث عن مبادئ الثورة الإسلامية أو عن ثورة الإسلام أن نلقي نظرة خاطفة على بعض النظم التي جاء الإسلام لمحاربتها والقضاء عليها لا بين العرب فحسب، وإنما في غيرهم من سائر الأمم أيضا، وإنما شمل أمما غيرهم ولو في الشكل دون الجوهر.
يقول الكاتب إنجليزي هـ ج. ولز في كتابه (موجز تاريخ العالم) عند تحدثه عن تلك الحقبة من تاريخ البشر ما ترجمته: (لو أن متنبئاً من هواة التاريخ استعرض العالم في ستهل القرن السابع لكان من المحتمل أن ينتهي إلى الحكم بأنه لن تمضي إلا بعد قرون حتى تصبح قارتا أوربا وآسيا خاضعتين للحكم المغولي القائم في الصين، إذ لم يكن هنالك ما يدل على وجود أي نظام أو اتحاد في أوربا الغربية؛ أما الإمبراطوريتان الرومانية والفارسية فقد كانت كل منهما منطوية على هدم الأخرى وتحطيمها؛ وإذا التفت إلى الهند فإنه يجدها منقسمة على نفسها خاوية. . .) ثم يقول: (والخطأ الذي كان من المحتمل جدا أن يرتكبه متنبؤنا هذا في استعراضه هو تجاهله للقوي الأصيلة الكائنة في الصحراء العربية).
وفي هذا القول دلالة واضحة على أن العالم كان حين ذاك بتخطيط في غياهب الفوضى ودياجير الانحلال، وانه إذا كان ثمة بصيص أمل لإنقاذه فآفاق الصحراء العربية هي التي كان يتخايل على حواشيها هذا البصيص، لا لان سكانها كانوا في يقظة عقلية تؤهلهم للقيام بدور المنقذ، كلا بل لان أرواحهم كانت نقية لم تدنسها شوائب المدينة أو يدب إليها وهن