كتب الأستاذ إبراهيم المصري في العدد الأخير من (أخبار اليوم) حديثا جرى في مجلس حضره، بين رجل أجنبي يستوطن مصر وبين شاب مصري جامعي. حمل الرجل الأجنبي على الثقافة الشرقية، واتهم العقل الشرقي بالهوس الديني والتواكل القدري والتجرد المطلق من الروح العملية، وزعم ان العلم المادي التجريبي كما تفهمه الحضارة الحديثة دخيل على العقل الشرقي المولع منذ القدم بالأخيلة الدينية.
وقد رد عليه الشاب الجامعي بالتفرقة بين الشرق الإسلامي وبين الشرق الأقصى والعقائد الأسيوية التي تنفر من الحياة وتحتقر العمل وتنادي بخنق الرغبات البشرية، وقال الشاب ان الحضارة الإسلامية استمدت قواها من الغرب اكثر مما استمدتها من الشرق، فالعلم العربي مدين للإغريق اكثر مما هو مدين للهند أو للصين أو للشرق الأقصى. إلى ان قال:(فالشرق الإسلامي إذن ليس هو الشرق الذي تزعم. ونحن في الحقيقة لسنا الشرقيين الأسيويين الحالمين. نحن من الغرب. نحن أوربيون).
أعجبني تفريق الشاب بين الشرق الإسلامي وبين الشرق الحالم المغرق في العقائد البعيدة عن الحياة العملية، كما أعجبني إرجاعه التأخر الملحوظ علينا اليوم إلى سياسة الأجنبي المستعمر وسياسة بعض الإقطاعيين من رجالنا. ولكن الشاب لم يعرف الشرق الإسلامي تعريفا صحيحا، فليس استمدادنا من أوربا بالذي يجعلنا أوربيين، كما ان أوربا لم تصبح من الشرق الإسلامي لأنها أخذت منه في بعض العصور. ونحن لسنا بحاجة إلى ثبات اتصالنا بأوربا أو نسبتنا إليها لننفي عن أنفسنا ما نتهم به من الإغراق في الخيال والبعد عن الحياة المادية وما يسمونه الهوس الديني. والواقع ان بعض الذي يرموننا به هو الذي ينفي عنا هذه التهم، وهو النزعة الدينية فالدين الإسلامي لم يفصل في شؤون الحياة بين مادي وروحي يدعوا إلى هذا وينهى عن ذاك، بل هو ينظر إلى الحياة باعتبارها وحدة كاملة، وليس هو دين عزلة، بل هو نظام حياة إنسانية وتشريع مجتمع كامل.
والعقلية العربية هي كذلك عقلية عملية، إلى جانب تمسكها بالقيم الإنسانية والمثل العليا، فقد