للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الفن المهدد!]

للأستاذ محمد عبد الله السمان

منذ بضعة عشر أسبوعاً، وفلم (كوفاديس) يعرض بسينما (مترو) بالقاهرة، بعد أن تقدمته الدعاية الواسعة العريضة. . . الدعاية التي لم يسبق لها مثيل من قبل لأي فلم من الأفلام السينمائية، فقد حجرت إحدى الجرائد المصرية ذات يوم لهذا الفلم أربع صفحات، خصصتها للدعاية له، ولها عذرها، فالجرائد والصحف في مصر - إن لم تكن جميعها - فمعظمها لا ينظر إلا من الزاوية المادية التي يعيش لها من أجلها. . .

وانجذابا إلى هذه الدعاية الواسعة العريضة (لكوفاديس) تكبدت مشقة الوقوف أمام سينما (مترو) ساعة كاملة للحصول على تذكرة الدخول، وأردفتها بثلاث ساعات أخرى مع فلم (كوفاديس) الذائع الصيت. . . ولم أكد انتهى من مشاهدته حتى آمنت بأن نفوذ أمريكا، بلغ حدا لا يطاق في الشرق الأوسط والأقصى والأدنى، بالدرجة التي تجيز لها أن تلعب بمقومات الشعوب، وفي مقدمتها عقائدها.

شاهدت فلم كوفاديس انجذابا إلى دعايته العريضة الواسعة، فإذا هو دعاية سافرة من أوله إلى آخره على الطريقة الأمريكية، ومن شأن هذه الدعاية السافرة أن تشوش على العقول، ويبلبل الأفكار. والنظارة من المسلمين يخرجون من السينما بعد مشاهدة (كوفاديس) وقد سحرهم الذوقي الفني، والإخراج القوي، والحوار المبدع، دون أن يثيروا - حتى فيما بينهم وبين دخائل نفوسهم - عبارة واحدة من عبارات هذه الدعاية.

أما الرأي العام الإسلامي في مصر فلا يكترث كثيرا لهذه الأفلام التبشيرية الأمريكية، إذ أنها صيحات في واد، ونفخ في رماد، وستظل أسابيع أو شهوراً أو أعواماً، وإن شاءت قروناً، فلن تنال من عقيدة المسلمين شيئاً.

إن التبشير الأمريكي وباسم العلم والمروءة والإنسانية، لم يكتف باستغلال الطبقات التي تلجأ إلى معاهدة ومدارسه وجامعاته ومصحاته، ولكنه أصر على أن يشتري ضمائر صنف من المثقفين المسلمين الذين حقنوا بالتربية الغربية ردحا من الزمن، ليأخذوا على عاتقهم - في مقالاتهم ومحاضراتهم وندواتهم - تشكيك المسلمين في المعاني الإسلامية الحية، والتنديد بالمقدسات الدينية، ورمى الإسلام بالتزمت والجمود والرجعية، وما إلى ذلك من

<<  <  ج:
ص:  >  >>