ومع هذا كله فالرأي العام الإسلامي لا يتحرك ولا يتكلم، معتمداً على قوة العقيدة الإسلامية، ولكن صمته سوف ينفد حين يدرك أن المعاني الإسلامية مضيق عليها، وأن الإسلام الصحيح مراقب مراقبة دقيقة، لا يصل معها حتى إلى المسلمين أنفسهم. . وأن الفن الرفيع محرم عليه أن يتناول المعاني الإسلامية قلت أم كثرت!.
هذا ما حدث في فلم (ليلة القدر) للأستاذ حسن صدقي الممثل المعروف. ولعل الرأي العام الإسلامي لا يدري من أمره إلى اليوم شيئاً، أو لعله يدري ولكنه لا يقوى إلا على همسات بشأنه لا تتجاوز الشفاه، وآهات لا تتجاوز الحناجر، والأستاذ حين صدقي صاحب رسالة فنية، لا يتخذ من الفن مهنة ينتزع بها القروش من الشعب المرهق المكدود، ولا يجعل من الفن مسلاة لعشاق الفوضى والمجون والتهريج، بل إنه ينتهج نهجاً عالياً، يهدف من ورائه إلى رفعة الوطن وسمو المجتمع. وهو فوق هذا متدين محافظ، ويؤدي رسالته بقلبه وروحه، كالمصلح الذي يبغي الإصلاح عن عقيدة راسخة وإيمان عميق، ولا عيب فيه إلا مشاركة الشعب آلامه فيما ينتج من فن، ومشاركة المسلمين عواطفهم فيما يخرج للناس من أفلام، شاذا في هذه وتلك عن الكثيرين من الفنانين المرتزقة الذين لا هدف لهم في حياتهم الفنية سوى التهريج الرخيص وكفى. . .
قدر لي أن أشهد عرض فلم (ليلة القدر) قبل أن يزح به في زوايا الظلام، فوجدت الأستاذ حسين صدقي ينحو فيه ناحية إسلامية لم تطرق قبله في عالم الفن. لقد أحس في قرارة نفسه أن هناك سحابا يحجب أعين المسلمين عن الإسلام المصفى، وأن هناك أباطيل ألصقت بالإسلام زرواً وبهتانا، يعتقدها الأجانب من غير المسلمين عقيدة راسخة في أعماق قلوبهم، فراح يعالج هذه وتلك في فيلم أسماه (ليلة القدر) فجاء خيرا من ألف فيلم. .
لقد صودر هذا الفلم، كما صودر أخ له (يسقط الاستعمار) في العهد البائد المنقرض. ولم تكد تبزغ شمس هذا العهد الجديد، حتى قدر لهما أن يريا النور، ولكن طائفة من الناس تقدمت إلى المسؤولين تشكو فلم (ليلة القدر). والعجيب أن الفلم ليس فيه تبشير، ولو كان لما كان هناك ضير، مادام هذا التبشير لا يمس حرية العقائد في غبر المسلمين. وما جاء في الفلم يعتبر تحليلاً لبعض المعاني الإسلامية، وعلاجا للمشكلات الاجتماعية على ضوء