للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الصورة والتصور والتصوير]

للأستاذ الحوماني

صاحب مجلة العروبة

هنالك في حيز الشعر صورة وتصور وتصوير , ولكل منها نصيب من الجمال في الحياة، ومناط الجمال في كل منها إنما هو الفن إذا صح إطلاق الفن وحده على الشعر كما سترى. فالصورة إحدى ظواهر الطبيعة وهي إما حقيقة أو خيال - والتصور مرور الفكر بهذه الحقائق يتصفح صورها - والتصوير إبراز هذه الصور إلى الخارج بشكل فني، فالتصور إذن هو العلاقة بين الصورة والتصوير وأداته الفكر فقط، وأما التصوير فأداته الفكر واللسان، والصورة يتعاقب عليها فنان: فن المبدع وفن المصور، ويقال للمصور مبدع إذا كانت الصورة من خلقه، وهو يتصفح الحقائق فينتزع منها صورة مركبة نسميها خيالا. فالخيال لا يخلو من رمز يشير لك إلى المبدع الأول مهما افتن الشاعر في صرفك عن لحظة. فالمرأة ظاهرة من ظواهر الفن الطبيعي، وتصويرها إحدى ظواهر الفن الصناعي. فجمال النفس فيها إنما هو جزء من روح مبدعها الأول، وجمال الشعر في تصويرها إنما هو من روح مبدعها الأخير.

والتصور الذي هو لحاظ الفكر صور الحقائق يختلف شدة وضعفا باختلاف الفكر الذي هو أداته، فتصور الشاعر جمال الفن في إحدى ظواهر الحياة إنما هو الإحاطة بدقائقها واكتناه السر الذي كانت له، والصورة الفنية إنما تتكون من جليل تحف به دقائق يمتاز بالوصول إليها شاعر الفن من غيره، ومناط الجمال في تصوير الشاعر وقوفه على دقائق لا يتبينها في الصورة الفنية سواه، ففي كل صورة فنية طبيعية كانت أم صناعية من معجزات الفن ما هو ظاهر وما هو خفي. فالشاعر يمتاز من غيره بتصور هذا الخفي ثم لا يكون فنانا حتى يصوره. فالرسام إنما يصور لك المرأة الجميلة حتى كأنك ترى شخصها، والشاعر إنما يصفها لك حتى كأنك تلمس روحها، إنما يصور ذلك ويصف هذا، وكلاهما شاغر فنان، بفضل ما يدركان من خفي ما أبدعه الفن في الصورة الجميلة فيصورانها. من ذلك نصل إلى أن الشاعر لا يفهمه كالشاعر وناقد الفن يجب أن يكون فنانا، ولا تنس أن الشاعر إنما يفهم الشاعر الذي هو دونه أو مساو له، وأما من حلق عليه فلا ينبغي له أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>