عاشت السيدة سُكينة في القرن الأول الهجري وهو القرن الذي تمخضت فيه (طيبة) بحوادث عظام وحروب كبرى وانقلاب في السياسة والدين والعلم والأدب والفن: منها شع نور الإسلام على العالم وأضاء سبل الهداية؛ ومنها خرجت جيوش الخلفاء الراشدين وفتحت الأمصار؛ وإليها جاءت الوفود تعرض إسلامها وولاءها؛ وفيها انصبت كنوز القياصرة والأكاسرة فأثرى أهلها بعد فقر ونعموا بعد شظف العيش.
فيها تطاحنت أحزاب قريش على الخلافة وفاز الحزب الأموي وخضع لهم الناس رغبة في عطائهم أو رهبة من سيوفهم. واقتضت سياسة الأمويين أن تقصر شباب قريش في مكة والمدينة وأن تغدق عليهم العطايا الكثيرة لتشغلهم في نعيم الدنيا ولذاتها وتبعدهم عن مناصب الحكم.
اجتمع في فتيان قريش الشباب والفراغ والجدة؛ فكان الهوى والأمل المنشود؛ وكان الغزل الإباحي العفيف، وكانت مجالس الأنس والطرب، وكان الصيد والقنص، وكانت حلقات الأدب تعقد في وادي العقيق ومنتزهات المدينة، وحول الغدران. وتحت النخيل. وحتى في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فكنت ترى أبن أبي ربيعه قد جلس تحت أثيل العقيق وقد أجتمع حوله نسوة وهو يداعبهن وينشدهن أشعاره ويستمع إلى حديثهن، ويخالسهن النظرات. وهن يتوددن إليه فإذا ما وقعت إحداهن في عينه فقد قارن. ذلك لأنه سيتغزل بها ويشهرها في شعره الذي يقال في المدينة فلا يلبث أن يصل إلى خراسان. ومنيه كل فتاة أن تستميل هذا الشاعر أو غيره ممن نهج طريقته فتعده وتمنيه ليقول فيها شعراً. تباهي بها أترابها بأنها قد خلبت قلبه وملكت هواه. وحتى الأميرات وبنات الطبقة الأرستقراطية فأنهن كن يبذلن الأموال لمن يأتيهن بشعر قاله أحد الشعراء فيهن. وكان الشعراء أنفسهم يتغزلون بكل شريفة أو أميرة لا يريدون بذلك إثما ولا نكراً وإنما يذهبون مذهب المدح والدعابة. وقد حجت بنت لعبد الملك بن مروان ورغبت ان يقول فيها ابن أبي ربيعة شعراً، ورغب هو كذلك ولكنه خشي بطش