للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في الاجتماع اللغوي]

تطور اللغة وارتقاؤها

أثر العوامل الأدبية المقصودة: الرسم

للدكتور علي عبد الواحد وافي

مدرس الاجتماع بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول

تشمل هذه الطائفة من العوامل جميع ما يبذله الأفراد والهيئات من جهود مقصودة في سبيل حفظ اللغة وتعليمها، وتوسيع نطاقها، وتكملة نقصها، وتهذيبها من نواحي المفردات والقواعد والأساليب، وتدوين آثارها، واستخدامها في الترجمة والتأليف الأدبي والعلمي. . . وهلم جرا

وتمتاز هذه الطائفة من العوامل عن الطوائف الثلاث التي تكلمنا عنها في المقالات السابقة بأنها أمور مقصودة، تسيرها الإرادة الإنسانية؛ على حين أن الطوائف السابقة تتمثل مظاهرها في أمور غير مقصودة تحدث من تلقاء نفسها، وتبدو آثارها في صورة جبرية لا اختيار للإنسان فيها ولا يد له على وقفها أو تغيير ما تؤدي إليه، وتمتاز عنها كذلك بأن هدفها الأصلي هو لغة الكتابة، بينما تتجه آثار الطوائف السابقة بشكل مباشر إلى لغات المحادثة.

ولهذه الطائفة مظاهر كثيرة من أهمها: الرسم، والتجديد في اللغة، والبحوث اللغوية، وحركة التأليف والترجمة، ووسائل تعليم اللغة. وسنعرض في هذا المقال لبعض نواحي الرسم، مرجئين التكلم عن نواحيه الأخرى وعن بقية العوامل الأدبية إلى المقالات التالية.

لم يتح الرسم إلا لعدد قليل من اللغات الإنسانية، أما معظمها فقد اعتمدت حياته على مجرد التناقل الشفوي، فالشرط الأساسي في حياة اللغة هو التكلم بها لا رسمها، فكثيراً ما تعيش اللغة بدون أن يكون لها سند تحريري، ولكن من المستحيل أن تنشأ لغة أو تبقى بدون أن يكون لها مظهر صوتي. ويصدق هذا حتى على اللغات الصناعية نفسها كالإسبرنتو وما إليها، فمن المتعذر أن تتاح الحياة للغة من هذا النوع ما لم تتناولها الألسنة وتصبح أداة للكلام، ولذلك كان أول ما يتجه إليه المفكرون في هذا النوع من اللغات هو وضع أصواته

<<  <  ج:
ص:  >  >>