يا سادتي ويا سيداتي. قعدت لأكتب هذا الحديث، فما بدأت به حتى هبت العاصفة في بيت الجيران، وعلت الأصوات، وزمجر الرجل وصخب، وولولت المرأة وعيطت، وقام الشيطان يهيج للشر ويضحك، ثم هدأت العاصفة فجأة كما هبت فجأة، وأعقبها سكون ثقيل، سمعت له دويا في أذني شغلني عن الكتابة، فقمت أنظر ماذا جرى. فإذا الزوج قاعد في ركن المنزل ينظر في جريدته عابسا، ولا أظنه يفقه منها حرفا، والمرأة في الركن الأخر تطرز ولا أحسبها تلقي لتطريزها بالا، هو يندب حظه يحسب إنه وحدة الخائب في زواجه، وهي تبكي جدها تحسب أنها وحدها التي فقدت سعادتها ورأيت الولد قد مل هذا السكون. . . فمشى إلى أبيه خائفا يترقب، فقال له:
- بابا. أعطني شوكولاته
- فصرخ به زاجرا: قل لأمك. أتريد أن أخدمكم في السوق وفي البيت، وأن أعمل عمل الرجل والمرأة؟!
فابتعد عنه الولد، ونظر إلى أمه، فصاحت به من غير أن ترفع رأسها عن شغلها:
- ابتعد عني وإلا كسرت رأسك، أنت أصل السبب، يا ضيعت تعبي، أشقى من الصباح إلى المساء فلا أجد من يقول لي: الله يعطيك العافية!
فهم الرجل بالانفجار، ثم تماسك وتجلد، وسكت على غيظ ومضض، ومشى الولد إلى الأريكة فتكوم عليها، ودس وجهه في وسادتها، وراح يبكي بكاء خافتا متصلا موجعا!
وعاد البيت ساكنا كما كان، ومرت دقائق، لمحت فيها على وجه المرأة ظلال نزاع عنيف في نفسها، بين شفقتها على ولدها، وغيظها من زوجها، ثم رأيتها تثب فجأة، فتمضي إلى غرفتها فتنبطح على سريرها وتنشج. . . ويرفع الرجل رأسه، متعجبا منها، ويضيق صبره على هذه المسرحيات (تمثل) في بيته، وهو يريد بيتا فيه الهدوء والمحبة ولا يفهم سر بكائها وهي - عنده - الظالمة، فيمضي إليها بعد تردد، حتى يقوم أمام السرير منتصبا مربد الوجه، كأنه القائد العسكري في جنده، أو النائب العام في مقعده، ويقول لها بصوت