وكانت تظنه قد جاء يواسيها في كربتها، ويعطف عليها، ويحاول أن يفهم ألمها، ويزيح همها، فلما سمعت ذلك منه، فقدت عقلها، فصاحت:
- مساخر؟ أنتم الرجال ليس عندكم وفاء، ليس لكم قلوب، إنكم. . .
فنسى إنه أمام امرأة، وإنه أمام زوجته، وحسب أن الذي يقول له هذا الكلام قرن له أو خصم، فأجابها جواب الأقران وكلمها كلام الخصوم، ولم يبق بينها وبين الطلاق إلا شعرة واحدة.
فقلت لهما: بس، انتظروا، قولوا ما هي الحكاية؟
فنظرا إلي، وحسباني (وأنا قريبهما) عفريتا قد نبع من الأرض ففزعا منه، ثم اطمأنا لي وعرفاني، وانطلقا يتكلمان بصوت واحد كلاما متواصلا متداخلا، تتلاحق كلماته، كأنه السيل إنهدم فندفع، أو لسان النار غفلت عن فندلع وما فهمت الحكاية حتى كادت نفسي تزهق. . .
و (الحكاية) التي سببت هذه النكبة، وكادت تهد بيت الزوجية، وتطلق الزوجة وتشرد الولد، أنه لما جاء من عمله فوجد الصبي على الباب، والباب مفتوحا، وليس عنده أحد يمنعه أن يمشي فيضل في الحارة، أو تدعسة سيارة، أو تلفحة الشمس، أو يصيبه المرض، وتخيل ألف مصيبة قد حلت بالصبي ونزلت به فاستحال حبه له حنقا على أمه التي أهملته، وتركته على شفا الهلاك، وتدخل مغضبا محنقا، وبدأها بالوم قبل السلام، وكانت قد نظفت الدار وأعدت الطعام، و (لبست. . .) تنتظر وصوله، لتسعد بقربه، وتجد مكافأتها في شكره إياها ومسرتة منها، فلما رأته مخاصما تبدد أملها، وخاب ظنها، وسيطر عليها الغضب، حتى أعماها عن حادثة (الباب المفتوح) والخطر المترقب، فلم ترى فيها إلا حادثة تافهة، لم ينشا عنها شيء ولم يأت منها ضرر.
وبدأ من هنا الخلاف، وتطاير الشرر
يا سادتي ويا سيداتي: هذه صورة ترون كل يوم أمثالها، فاسمحوا لي أن أجعل حديثي هذه العشية تعليقا عليها، وبيانا لها، وليست صورة غريبة عنكم ولا نادرة، بل الغريب النادر أن