للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[إلى الأستاذ البرازي]

حول الفقه الإسلامي والفقه الروماني

للأستاذ صالح بن علي الحامد العلوي

قرأت ما سطره قلمكم أيها الأستاذ الفاضل في العدد ١٠٨ من الرسالة الغراء رداً عليّ وعلى الأستاذ علي الطنطاوي وما كدت أوغل في أسطره حتى أرسلت زفرة حارة تتخللها آهة من أعماق صدري لا لأنك خالفتني في رأيي أو لأنك أتيت لتدافع عن الفقه الروماني أو غيره. ولكن لتلك الروح التي تبدو من خلال سطوره، وروح الافتتان بأوربا وما تقوله أوربا والاستماتة في سبيل الدفاع عنها والفناء فيها وعدم الاستقلال أمام ما تمليه من الآراء والتقريرات، ثم الوقوف مع الإسلام بروح ميتة تزعمونها روح العدل وإنصاف البحث العلمي كما سماها لكم الشيوخ المحنكون، والحقيقة غير ذلك. ويا ليت الأمر وقف عند هذا الحد فقط ولكنه تعدى إلى الإزراء بالعصبية الدينية واستهجان العاطفة القومية ودعوة الشباب المسلم إلى هذا التقليد الأعمى الذي تسمونه الإنصاف لأوربا، وإلى الاقتداء بأئمة أوربا الأبرار الذين لا ينطقون عندكم عن الهوى بل عن علم وبحث وإنصاف. هذه النزعة الغالية جعلتني أرسل الآهة تلو الآهة على الشباب المسلم المتعلم منا معاشر العرب ممن يفدون على أوربا القوية المادية بقلوب فارغة وطباع فطيرة غير مجهزين من سلاح الإسلام إلا بوراثة اسمه، يأتون ليكرعوا من غمار موارد أوربا ويتشبعوا من علومها وثقافتها. فتنفحهم من فتونها وحبها وتملأ صدورهم الفارغة مما تشاء هي لا ما يشاء الآباء. فيعودون وقد تشبعوا بثقافة أوربا وأخلاق أوربا والتعصب لأوربا أيضاً. وقد يكونون مزودين من كل شيء إلا من تعاليم الإسلام والحماس للإسلام، وماذا يصنعون أمام أوربا وقد أتاهم هواها قبل أن يعرفوا الهوى؟ إن أمثال هؤلاء لا يعدون عندي إلا جرائم لآبائهم تتكرر بتكرر أنفاسهم

ووالله إننا لا نكره ذات أروبا ولا علوم أروبا ولا ثقافة أروبا وكنا نكره هذه النزفة الغالية، وهذه الثقافة الببغاوية الصورية التي يتمشدق بها بعض الشبان المتطرفين. أما علومها وأما ثقافتها الجدية وصناعاتها النافعة فإننا في مقدمة من يحبذها ويدعو إليها ولكن بعد غرس العصبية الدينية والعاطفة القومية في نفوس الناشئة حذراً من هذا الفناء وهذا الإدغام

<<  <  ج:
ص:  >  >>