ولست أدعي انطباق كل ما قلت عليك يا حضرة مناظري الأديب! كلا! ولكني أقوله بمناسبة ما رأيته ملموساً في مقالك من نزعة الافتتان بأروبا وتقليدها ودفاعك عنها دفاع المستميت، ثم تظلمك لعلمائها بعبارات جعلتني أتخيل أننا صرنا في عصر صار فيه الشرق رب الصولة والدولة وكان الغرب على عكس ذلك، وكأنك قمت محتسباً تستعطف العالم لإنصاف الغرب الضعيف المظلوم من بني الشرق وعنت الشباب
وماذا صنعنا سوى أننا أنكرنا أن يكون الفقه الإسلامي متأثراً بالقوانين الرومانية، وأنه إذا كان بين الفقهين تشابه فليس الحكم على أن الفقه الإسلامي هو المتأثر بأولى من العكس، فأدلة الفقه الإسلامي صريحة والمستنبطون منها وهم مؤسسو المذاهب لا يجوز أن يقال بتأثرهم بالقانون الروماني إذا لم يتصلوا بالرومان ولم يعرفوا لغتهم ونشأوا ودرجوا في محيط إسلامي وفي ثقافة إسلامية محضة، ومن خطل الرأي وعدم الإنصاف أن يقال لمجرد وجود التشابه بين الفقهين إن الفقه الإسلامي هو المتأثر أو الآخذ مع فقد الدليل وتوفر القرائن على ضده، ولم لا يقول زاعمو التأثر إن هذا التشابه وليد المصادفة؛ إذا أن الدين الإسلامي أتى في أحكامه بما يوافق العقل السليم من العدل والانصاف، وهو دين حسن الحسن وقبح القبيح، فما أمرنا بأمر فقال العقل السليم ليته نهي عنه، ولا نهى عن أمر فقال العقل السليم ليته أمر به، هكذا وصفه بعض الصحابة، وعن هذا نشأ الخلاف بين الأشاعرة والمعتزلة في مسئلة الوجوب بالعقل أو بالشرع والقول بالتحسين والتقبيح العقليين؛ فلا يبعد أن تكون العقول التي عنت بوضع القوانين لتحديد الحقوق وفصل الخصومات، قد صادفت بعض ما قرر الفقه الإسلامي الملازم لمطابقة العقل في قضائه وأحكامه، وقد نقلنا حكاية اختفاء القوانين الرومانية وزعم ظهورها بعد، وأن تاريخ ظهورها بزعمهم كان بعد تأسيس المذاهب وانصرام عصر أئمتها ومن المستحيل تأثرهم بشيء لما يظهر بعدُ من اختفائه، وإذا كنا رجحنا أن القوانين الرومانية هي الآخذة عن الفقه الإسلامي فلم نقل ذلك اعتباطاً ولكن ببراهين نعتقدها كافية في ذلك، وأخذ أروبا عن علوم العرب غير مجهول كما تكرره المجلات العلمية عند كل مناسبة