لم يتح للسيدة عائشة أن يكون لها أدني أثر في السياسة على عهد الخليفتين العظيمين أبي بكر وعمر؛ بل كان شأنها شأن بقية أمهات المؤمنين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: يُستفتيْن في المسائل من أمور الدين، وخاصة فيما لا يعانيه إلا النساء. فبقين بعد وفاة الرسول مثابة لرواد الفقه وحملة الشريعة، وهذا من حكمة الله ورحمته بهذه الأمة، إذ جعل من أزواج صاحب الرسالة من تعيد سيرته المطهرة خمسين سنة تنشر تفاصيلها للناس، كأن الوحي لم ينقطع، وكأنهم من أنواره في شمس لا يلم بها أفول ولا تحجبها ظلمة. وليس كل السنة يتسنى للرجال معرفتها، ولولا ما نشرن منها لضاع علم كثير، فكان أبو بكر وعمر وعثمان وغيرهم من كبار الصحابة، كثيراً ما يسألونهن في دقائق المسائل وجلائلها وعلى هذا اقتصر عمل عائشة لهذا العهد. وكان في ذكائها (رحمها الله) وفي علمها ما جعلها مقدمة على عامة أزواج النبي (ص): يعرفن ذلك من حقها، ويرجعن أمورهن إليها. . . وكان الناس حين يفزعون إلى أزواج النبي لا يبدؤون إلا بها. . . فمكانها فيهن مكان الزعيم. . .
فلما كان عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان، سارت السيدة في الشطر الأول من خلافته (سيرتها على زمن صاحبيه): تفتي وتحدث وتنشر العلم. . . لكنه لم يكد لين عثمان يجرئ الناس عليه، ولم تكد القالة تفشو ناقمة على بعض تصرفاته، حتى انقلب الأمر، ورأينا السيدة عائشة تقود حركة المعارضة، ورأينا عثمان يتبرم بموقفها كل التبرم ولم تزل السيدة توغل في تدخلها السياسي حتى أدى إلى ما لم تكن تحب، وحتى خرج الأمر من يدها في النهاية إلى يد الغوغاء، فكانت أشد الناس ندماً على ما قدّمت. . .
كان مما أخذ الناس على عثمان عزله من ولاية الكوفة القائد المغوار صاحب رسول الله سعد بن أبي وقاص، وتوليته الوليد ابن عقبة أخاه من الرضاعة. فلما حضر وفد أهل الكوفة متذمرين إلى عثمان من عاملهم الجديد انتهرهم وأوعدهم. . . فلجئوا إلى أم المؤمنين عائشة الصديقة مستجيرين. وأصبح عثمان، فصلى بالناس الفجر في مسجد