رسول الله (ص)، فسمع من حجرة عائشة صوتاً وكلاماً فيه بعض الغلطة. فقال:(أما يجد مُرّاق أهل العراق وفساقهم ملجأً إلا بيت عائشة؟!). فسمعت عائشة فغضبت. ورفعت نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت:(تركت سنة رسول الله صاحب هذه النعل). فتسامع الناس فجاءوا حتى ملئوا المسجد. فمن قائل:(أحسنت)؛ ومن قائل:(ما للنساء ولهذا) حتى تحاسبوا وتضاربوا بالنعال. ودخل رهط من أصحاب رسول الله على عثمان فقالوا له:(اتق الله ولا تعطل الحد، واعزل أخاك عنهم). فعزله عنهم! وهكذا استطاعت السيدة بما لها من المكانة والذكاء أن تهيئ لمعارضتها نجاحاً باهراً. فغيرت هذا العامل على رغم الخليفة. وخير ما نطلقه عليها أنها كانت:(زعيمة المعارضة) - على اصطلاح هذا العصر - مدة الخليفتين عثمان وعلي. . .
ثم جاءت شكوى المصريين من عاملهم ابن أبي سرح على نحو شكوى أهل الكوفة من عاملهم. وقامت السيدة في ذلك مقاماً حميداً كما قام غيرها من مشيخة الصحابة مثل علي وغيره. إلا أن ابن أبي سرح لم يعمل بكتاب عثمان، وقتل أحد الذين كانوا شكوه؛ فرجع المصريون إلى المدينة، وشكوا إلى أصحاب النبي وأزواجه ما صنع ابن أبي سرح. فقام طلحة؛ فكلم عثمان بكلام شديد. وأرسلت إليه عائشة:(قد تقدمت إليك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألوك عزل هذا الرجل؛ فأبيت أن تعزله؛ فهذا قد قتل رجلاً منهم فأنصفهم من عاملك. . .)
ولما رجع المصريون بكتاب عثمان المزور، وضج الناس، كانت عائشة تذمه كثيراً، وكانت هي نفسها تقول (فيما بعد): (إنا نقمنا عليه ضربه بالسوط، وموقع السحابة، وإمرة سعيد والوليد. فغضبنا لكم من سوط عثمان. . .)
ومواقف عائشة هذه من عمال عثمان وإرغامها إياه على تغييرهم، قد آذته كثيراً حتى خرج مرةً عن وقاره واعتداله، وما يليق به من الاحتمال والحلم. قال صاحب (البدء والتاريخ):
(كان أشد الناس على عثمان طلحة والزبير ومحمد بن أبي بكر وعائشة. وخذله المهاجرون والأنصار، وتكلمت عائشة في أمره وأطلعت شعرة من شعرات رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونعله وثيابه وقالت: (ما أسرع ما نسيتم سنة نبيكم!) فقال عثمان في آل أبي قحافة أسرة عائشة ما قال، وغضب حتى ما كان يدري ما يقول) هـ.