للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

هذا ما كان من آثارها، ودع لنفسك أن تقدر ما يبلغ مثل ذلك من نفوس الناس، وهم حينئذ أولو الحمية للإسلام، وأقرب الناس عهداً بالرسول وصاحبيه - كم يبلغ من نفوسهم الوجد على عثمان حين فرّط حتى بلغ السيل الزبى، وحتى تغير عليه امرأة - ثم لا تكون تلك المرأة إلا أم المؤمنين عائشة: ترفع عليه في المسجد صوتها وتبرز للمسلمين نعل الرسول مرة، وشعره مرة، وثوبه مرة، تنصبه في حجرتها وتقول للداخلين عليها: (هذا ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يَبلَ، وقد أبلى عثمان سنته). وكان عثمان مرة يخطب فدلّت عائشة قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقالت: (يا معشر المسلمين! هذا جلباب رسول الله لم يبل، وقد أبلى عثمان سنته). فقال عثمان: (رب اصرف عني كيدهن، إن كيدهن عظيم!).

إن الأثر الذي أثرته في قلوب الناس لجد بليغ. ولست أغلو إن قلت: إن هذا التغير في النفوس يكمن؛ ثم هو لا يزداد على الأيام إلا شدة. وهذا يفسر لنا بجلاء سبب تقاعس أهل المدينة عن نصرة عثمان حين حزبه الأمر واغتاله أهل الأمصار.

وزعم بعض الرواة أنها أول من سمته (نعثلاً) و (نعثل) اسم يهودي أو نصراني طويل اللحية، لقب به عثمان تشبيهاً له به. وأنها كانت تقول: (اقتلوا نعثلاً. قتل الله نعثلاً). وكان الناس يسبون عثمان حول فسطاط عائشة بمكة، وعثمان يمر، ولم ترث السيدة له ولم تغير شيئاً.

ولقد تضافرت روايات من طرق مختلفة على سعي عائشة على عثمان. ولما آلت الخلافة إلى علي ونهضت هي تطالب بدمه. قال لها عمار: (أنت بالأمس تحرضين عليه واليوم تبكين عليه!) وقال لها ابن أم كلاب: (والله إن أول من أمال حرفه لأنت، ولقد كنت تقولين، اقتلوا نعثلاً فقد كفر).

وإذا علمت أن أشد الناس على عثمان - وهو طلحة - يرجو أن تكون إليه الخلافة بعده، وأن طلحة ابن عم أبي بكر (رحمه الله)، وأمعنت في الحوادث التي حفت بهذا العهد، وجالت بنفسك الخواطر، وجدت في رواية الطبري الآتية (وهي مصنوعة بإتقان) حل المسألة فاسترحت إليه:

(خرج ابن عباس إلى موسم الحج بكتاب عثمان، فمر بعائشة في (الصُلصُل) فقالت: (يا بن

<<  <  ج:
ص:  >  >>