يقول علماء البلاغة والتربية والمنطق وغيرهم من العلماء الذين يتصدون لدراسة العلوم المتصلة بالفنون أو العلوم التي من فوقها فنون: إن الفن هو التطبيق العملي للقوانين الخاصة بموضوع ما. فإذا كان موضوع البلاغة هو جمال الكلام فإن فن البلاغة هو التطبيق العملي للقوانين التي يحصل الجمال للكلام باتباعها. وإذا كان موضوع التربية هو تنشئة الأحداث على وجه من الصلاح أو على أوجه الصلاح كلها فإن فن التربية هو التطبيق العملي للقوانين التي يتم صلاح الأحداث باتباعها على وجه من الوجوه أو على أوجه الصلاح كلها؛ وإذا كان موضوع المنطق هو ربط الكلام على الحق الصادق حتى يطابقهُ فلا يزيد عليه ولا ينقص عنه ففن المنطق هو التطبيق العملي للقوانين التي يتحقق باتباعها هذا الربط وهذه المطابقة
وبهذا التفصيل وبهذا التيسير أباح العلماء لأنفسهم ولتلاميذهم أن يستضعفوا الفنون وأن يستسهلوها وأن يعدوها، ما داموا قد وجدوا هذا التعريف الذي استنبطوه لها شيئاً، يمكن أن يحققه كل إنسان، وأن يمضي في تحققيه ما شاء له تهاون هذا التعريف الذي يمنع عن الفن ما يلزم لحدوثه، اللهم إلا أن يكون تطبيقاً عملَّيا للقوانين. . . وبهذه الإباحة كثر الكتاب الذين يطبقون قوانين التربية، وكثر المجادلون وتفاقم عدد المحامين الذين يطبقون قوانين المنطق. ومع هذه الكثرة فلا يزال الكتاب المبدعون قليلين، ولا يزال المربون المثقفون نادرين، ولا يزال المجادلون والمحامون الساطعون يعدون في الجيل على أصابع اليد أو على أصابع اليدين
فلو كان الفن حقاً هو التطبيق العملي للقوانين لكان كل من يعرف الطريق إلى هذا التطبيق فناناً كما كان من يعرف الطريق إلى التطبيق الخاصة بالأعداد حاسباً، وكما كان كل من يعرف الطريق إلى تطبيق القوانين الخاصة بعناصر المادة كيميائياً.