تعاني عصبة الأمم أزمة دقيقة من جراء تعرضها للنزاع بين إيطاليا والحبشة؛ ولم يكن في وسع العصبة أن تقف جامدة أو أن تتنحى عن بحث مشكل يقع في صميم اختصاصها بمقتضى (الميثاق) وتثيره دولتان كلتاهما عضو في العصبة، وعصبة الأمم تعرف من البداية أنها تواجه في المشكلة الإيطالية الحبشية أزمة خطيرة، بل تواجه محنة قد يقوض الفشل في درئها صرح العصبة، وكل المبادئ الدولية التي يقوم عليها، وتعرف منذ البداية أيضاً أنها لن تستطيع أن تقوم في معالجة هذه الأزمة بدور فعال، أو بإجراء حاسم، ولكنها أيقنت في نفس الوقت أن قليلاً من الشجاعة في مواجهة الموقف، وأن تطبيق بعض الإجراءات النظرية التي ينص عليها ميثاق العصبة في مثل هذه الأحوال، وأخيراً أن محاولة اكتساب الوقت في بعض المجادلات الفقهية قد ينتهي بإنقاذها من مأزق الحياة والموت
وقد أبدت العصبة هذا القليل من الشجاعة فاستمعت إلى نداء الحبشة في بحث النزاع، وإن لم تبحثه إلا في الحدود الضيقة التي ارتضتها إيطاليا، وسعت إلى تطبيق المادة الثالثة عشرة من الميثاق، واتفق الطرفان على محاولة إجراء نوع من التحكيم، وألفت بالفعل لجنة تحكيم مشتركة تمثل الفريقين المتنازعين؛ ولكن الحوادث تطورت بسرعة، وأكدت إيطاليا وما تزال تؤكد بمنتهى الصراحة أنها لا تبغي بديلا بافتتاح الحبشة والاستيلاء عليها، وأنها سوف تلجأ لتحقيق غايتها بالقوة القاهرة، وأنها لن تني عن مشروعها أمام أي تدخل أو أية قوة في العالم؛ وهكذا تحطمت جميع الآمال التي علقت على تدخل العصبة، وعلى لجنة التحكيم، ولن يحول دون اضطرام الحرب في شرق أفريقية سوى معجزة، أو تطور في الحوادث لا يخطر ببال إنسان، ولن تحدث هذه المعجزة أو هذا التطور الخارق
ونحن نعرف كيف حاولت السياسة البريطانية جهد استطاعتها أن تحول دون اضطرام