للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[تعقيبات]

الانتحار في مصر:

في عدد سابق من الرسالة كتب الدكتور أحمد موسى مقالا عن الانتحار كظاهرة اجتماعية نفسانية قال في مطلعه: (لم يكن الانتحار معروفا في مصر قبل ربع قرن، وكان الناس على الأرجح أكثر قناعة واحتمالا وارحب صدرا لمقابلة آلام الحياة وأقل تبرما بها، أما الآن ولا سيما خلال عشر السنوات الأخيرة، فقد بدت ظاهرة مخيفة هي أقدام الكثيرين على الانتحار، سواء في ذلك لا شبان والشابات، والرجال والنساء دون فرق ظاهر بين متعلم وجأهل، وبين فقير وغني، وبين صحيح ومريض، وين متزوج وأعزب. . . . .).

وهذا كلام يحتاج إلى تصحيح، والصواب أن يقول: إن الانتحار لم يعرف في مصر كظاهرة اجتماعية قبل نصف قرن، ولم تتمثل هذه الظاهرة للعيان إلا بعد أن اتصلت مصر بأوربا، وأخذت تعب من شرور المدينة الأوربية أضعاف ما تقتبس من خيرها، وكان هذا الداء الوبيل ضمن الشرور التي أصابت المجتمع المصري وتأصلت فيه.

والطريق الذي وصل منه هذا الداء إلى مصر هو الأدب، أدب القصص الأوربي وما يحمل من انتحار أبطال تلك القصص وبطلاتها، ثم ما كإن يصوره ذلك الأدب من حوادث الانتحار على المسرح وقد وجد هذا النبات الغريب في بيئتنا تربة خصبة وعوامل للنمو مما خلفته العصور المظلمة في نفوس المصريين فما وفرع ولعل أوضح آثار لهذا الداء هو ما بدا بين تلامذة المدارس الراسبين في الامتحان من الإقبال على الانتحار بكثرة مخيفة أفزعت أولياء الأمور، وقد صور المغفور له أمير الشعراء هذه الظاهرة وندد بها في قصيدة من أروع قصائده إذ يقول:

كل يوم خبر عن حدث ... سئم العيش ومن يسأم يذر

عاف بالدنيا بقاء بعد ما ... خطب الدنيا وأهدى ومهر

حل يوم العرس منها نفسه ... رحم الله العروس المحتضر

ضاق بالعيشة ذرعا فهوى ... عن شفا الناس وبئس المنحدر

راحلا في مثل أعمار المنى ... ذاهبا في مثل آجال الزهر

إلى أن يقول:

<<  <  ج:
ص:  >  >>