قرأت في مجلة الرسالة الغراء كلاماً كثيراً حول مناهج الدراسة في الأزهر، وركود الحركة الفكرية، فيه وآخر ما قرأت من ذلك كلمة في العدد (٨٧٤) بإمضاء (أزهري عجوز).
والكلام في هذا الموضوع ليس أبن اليوم فكل ما كتب الآن إنما هو ترديد لما كتب في السنوات الأخيرة. وقد كانت النية ألا أسترك في هذا الجدل مكتفياً بما كتبته في مجلة الأزهر وما قدمته للرؤساء من تقارير حول هذا الموضوع، ولكن كلمة الأزهري العجوز أثارت عجبي، فرأيت أن أعقب عليها بهذه الكلمة القصيرة.
إذا أردنا أن نقيم الدراسة في الأزهر على أساس علمي سليم، وأن نظفر بإنتاج أزهري قويم، فعلينا أولاً أن نعنى بالمدرس العناية التامة، فإن إعداد المدرس وتكوينه والعناية به هي التي توجد لنا الدرس المفيد أولاً، والكتاب النافع ثانياً.
والمدرسون في الأزهر الآن ثلاثة أصناف، فصنف تمرسوا بالكتب الأزهرية القديمة، وأطالوا فيها النظر، وفهموها حق فهمها، وهضموها، وهؤلاء يقومون بأداء رسالتهم على خير وجه، وصنف آخر درسوا على النظام الحديث، فدرسوا علوم التربية، وعلم النفس. وهؤلاء خير من يستطيع بسط المعلومات وتنظيمها، وإيصالها إلى أذهان الطلاب في يسر وسهولة. أما الصنف الثالث فدرسوا دراسة علمية ولكنهم لم يتح لهم الزمن الذي يجعلهم يهضمون الكتب القديمة، ولم يظفروا بدراسة شيء من أصول التربية وعلم النفس، وهؤلاء في حاجة ماسة إلى أن يدرسوا ويطيلوا الدرس حتى يلحقوا بواحد من الفريقين الأخيرين، فإن من الأمور الثابتة التي لا يختل فيها اثنان أن النجاح في التدريس لا يرجع إلى كثرة المعلومات وحشدها، وإنما يتوقف على تنظيمها، وأسلوب إلقائها. و (الأزهري العجوز) يؤمن بهذه النظرية، ولذلك يقول في أول كلمته بوجوب بناء المناهج الحديثة على أصول تربوية سليمة، ولكنه في آخر كلمته يناقض هذا الذي بدأ فهو يندد بتعالي الصيحات التي تنادى بأن تفتح أبواب الكليات لمدرسي المعاهد، فهو يعرف أن هؤلاء المدرسين المبعدين عن الكليات هم - وحدهم - الذين درسوا أصول التربية، وأنهم أقدر من غيرهم على معالجة الكتب، وتسهيل صعبها، ولكنه يخاف من ذلك، ويريد أن تبقى الكليات احتكارا