كلما كشف الكتاب والباحثون النقاب عن وجوه العصر الذهبي للدولة العباسية، وخاصة في عهد الخليفة هارون الرشيد، تقودهم تتمة البحث أن يتطرقوا إلى البرامكة وأعمالهم ومآثرهم في الدولة. ثم استئصال نفوذهم والتنكيل بهم على يد الخليفة الرشيد. ولقد أضحى هؤلاء الكتاب مرغمين أن يذكروا العباسة بنت الخليفة المهدي وأخت الخليفة الرشيد كلما بحثوا في تلك النكبة وعواملها، لأن بعض كتب التاريخ العربي، ذكرت في اقتضاب، وبعضها قد أسهب في وصف العلاقة بين العباسة وجعفر البرمكي وزير الرشيد وعضده في إدارة أمور الدولة العباسية.
وتلك الروايات وإن تباينت في السرد، تتفق في هذا المعنى: وهو أن الرشيد كان لا يصبر عن جعفر ومنادمته في مجالسه الخاصة، وكذلك ما كان يصبر عن أخته العباسة في الوقت نفسه، لذلك ابتدع أمرا فريدا، وهو أن عقد لجعفر على العباسة ليحل له النظر إليها، واشترط - عليها طبعا - أن لا يكون اجتماعهما إلا بحضرته، وأن لا يتعدى - هذا الزواج - الحديث والنظر. . . وبعد هذا كانت العباسة تحضر مجالس الرشيد مع جعفر فتقضي ساعات في هذا السمر البريء. .
ثم يستمر الرواة في تنظيم خيوط الرواية ونسجها لتظهر النتيجة المتوقعة من اجتماع شباب جميل، بفتاة رائعة الحسن وضاءة المحيا.
فقد ذكروا أن قد حدث اتصال سري (وتفنن بعض الرواة في كيفية هذا الاتصال) بين جعفر والعباسة، فأنتج (أطفالا).
ولما كانت قصور الخلفاء والملوك لا تخلو من عيون ودسائس لذلك انكشف للرشيد أمر هذه العلافة (الآثمة) بين جعفر البرمكي وأخته العباسة، فثار غيظا، وانفجر غضبه بنكبة مروعة فقتل جعفر، وحبس أباه وبقية اخوته وصادر أموالهم، واشتط في الفتك بمن كان يمدحهم، أو يقف باكيا على قبورهم، أو يومئ إلى رزيئتهم. . .
افترق المؤرخون والكتاب - قديما وحديثا - عند هذه الرواية التاريخية بين منكر لحدوثها،