للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مشمئز من هذه الفرية الباطلة والتشنيع المدبر للحط من مروءة الرشيد وغيرته، وبين مصدق لها، وغير مستبعد أن تكون واقعة لا محالة، وقد اقتنع البعض بأنها كانت السبب الأول في نكبة البرامكة، وتساهل البعض الآخر فجعل تلك العلاقة من أسباب نكبتهم. . . وقد جاهر بهذا الرأي الأخير الدكتور أحمد أمين بك في كتاب الهلال الذي أصدره عن هارون الرشيد. فقد عدد ثلاثة أسباب للنكبة: (أولها) غيرة الرشيد من سلطانهم و (ثانيا) عطفهم على العلويين و (ثالثا) علاقة جعفر بالعباسة. ولتوطيد صحة السبب الثالث أبدى الدكتور رأيا فريدا لم يسبقه إليه باحث إذ قال:

على أنه ما يدرينا، لعل الرشيد نشر في الناس علاقة جعفر البرمكي بأخته، ليستثير كره الناس ويستخرج غضبهم ومقتهم. . .

وقد استغربت مع كثيرين أن يطرح الدكتور هذا الرأي بعد أن اعترف للرشيد (بكبر العقل، وعلو الهمة، وكرم النفس. . . وحدة المزاج) فكيف يتفق من كان في هذه السجايا أن يذيع في الناس خبرا يمس عرضه ويحط من كرامة بني هاشم! وما الذي يهم سواد الناس من تلك الرواية سوى التشنيع بها على الخليفة وأهله. وإن كان ما قال الدكتور حقا فليس في الأمر حكمة أو بعد نظر من الرشيد إن يحط من شأن أخته لدعاية لا تثير نقمة، وإنما تبعث على الاشمئزاز والتندر.

ثم نظرة أخرى في أمر - هذه الدعاية - فإنها لو كانت أذيعت في الناس قبل نكبة البرامكة فما من أحد كان يستطيع أن يجهر بالكره والعداء ما دام الخليفة يظهر مودته لهم وحدبه عليهم حتى اللحظة الأخيرة.

لذلك فإننا نستبعد أن يكون لهذا الرأي صلة بالسبب الذي ظهرت تلك الرواية من أجله. ونعتقد اعتقادا جازما بأن هذا الخبر عن علاقة جعفر بالعباسة , كان فرية مغرضة، ليس لها ظل من الحقيقة ولا أساس من الواقع، ونرجح أن يكون قد أذيع قبل أيام النكبة، ومصدره آل برمك أنفسهم إن لم يكن جعفر البرمكي ذاته؛ لغرضين اثنين:

أولا - كسب عطف الناس وتمكين سلطة جعفر من نفوسهم، وليرسخ تمثال الهيبة لوزير الدولة وصهر الخليفة في القلوب

الثاني - أن تجعل الخليفة العباسي، أمام مأزق ضيق فالأمر يمس عرضه وشرف أسرته،

<<  <  ج:
ص:  >  >>