فإن فعل ما يضر بجعفر لا يدرك الناس سببا سوى تلك العلاقة بين جعفر وأخت الخليفة عندئذ يهان الخليفة في عرضه ومروءته. وقد تحقق هذا الغرض بعد مقتل جعفر، وما زال حتى اليوم من صدق تلك الفرية الدنيئة.
وفي ثنايا كتب التاريخ ما يشير إلى أن ذلك الخبر كان فاشيا في الناس آنذاك وكان عامتهم ترجح وقوعه، فقد ذكر الجهشياري في كتابه الوزراء والكتاب في الصفحة (٢٠٤)
(قال عبد الله بن يحيى بن خاقان: سألت مسرورا الكبير - في أيام المتوكل وكان قد عمر إليها ومات فيها - عن سبب قتل الرشيد لجعفر وإيقاعه بالبرامكة فقال - كأنك تريد ما يقوله العامة، فيما ادعوه من أمر المرأة وأمر المجامر التي اتخذها للبخور في الكعبة؟ فقلت له ما أردت غيره، فقال: لا والله ما لشيء من هذا أصل.! ولكنه من ملل موالينا وحسدهم)
إن صحت هذه الرواية للجهشياري - وهي كذلك - فيكون تأكيد مسرور القول الفصل في تفنيد تلك المزاعم وهدمها، لأنه كان أقرب الناس من الرشيد وأعلمهم بخفايا القصر ودسائس الحاشية المقربين! ولتحدث بها (إن كانت حقا) غير هياب ولا وجل.
- ٢ -
لقد بحث بعض المؤرخين الأقدمين والمحدثين الذين تبصروا في ظروف وقعة البرامكة في العوامل الجوهرية التي دفعت بالخليفة الرشيد للقضاء عليهم وتعرضوا لخبر علاقة العباسة بجعفر فأنكرته نفوسهم، ولما لم تستسغه عقولهم أن يكون سبباً من أسباب نكبة البرامكة هدموا الخبر وأنكروا أن يكون له ظل في الواقع، كما توصل لذلك ابن خلدون - من الأقدمين - فقد لخص في مقدمته صفحة ١٥ رواية النكاح والاتصال أولا ثم فندها من ناحية الاعتبارات الاجتماعية والأخلاقية التي تتمتع بها العباسة عن مواليها آل برمك حيث قال:(. . وهيهات ذلك من منصب العباسة في دينها، وأبويها، وجلالها، وأنها بنت عبد الله بن عباس وليس بينها وبينه إلا أربعة رجال، هم أشراف الدين وعظماء الملة من بعده. والعباسة بنت محمد المهدي بن عبد الله أبي جعفر المنصور بن محمد السجاد بن علي أبي الخلفاء بن عبد الله ترجمان القرآن بن العباس عم النبي (ص). ابنة خليفة أخت خليفة، محفوفة بالملك العزيز، والخلافة النبوية، وصحبة الرسول وعمومته، وإقامة الملة ونور الوحي ومهبط الملائكة، من سائر جهاتها، قريبة عهد ببداوة العروبة وسذاجة الدين، بعيدة