عن عوائد الترف ومراتع الفواحش فأين يطلب الصون والعفاف إذا ذهب عنها؟ أو أين توجد الطهارة والذكاء إذا فقد من بيتها. . (حتى يقول) وكيف يسوغ من الرشيد أن يصهر إلى موالي الأعاجم على بعد همته وعظم إبائه؟)
ومن مؤرخي العصر الحديث الذين لم يقتنعوا بذلك الخبر المختلق ولم يعتبروه أساساً لنكبة البرامكة أو طرفا منها. المرحوم جورجي بك زيدان، في كتابه تاريخ التمدن الإسلامي فقد ذكر أن:(الرشيد فتك بالبرامكة لأنه خافهم على سلطانه) وهو الوجه الصحيح لتفسير سبب النكبة.
وكذلك توصل الأستاذ محمد فريد وجدي بنتيجة البحث الدقيق والتحليل المنطقي أن علاقة العباسة بجعفر البرمكي، إنما كان خبراً مختلقا للحط من كرامة الرشيد ومروءته، فقد ذكر في بحثه عن (جعفر بن يحيى البرمكي، لماذا قتله هارون الرشيد) بالعدد العاشر من مجلة الهلال التي صدرت في أول أغسطس سنة ١٩٤٠؛ أن من جملة الروايات في سبب النكبة:
أولا - أن الرشيد كان له أخت تدعى (ميمونة) يحب أن تكون في مجلسه مع جعفر، فرأى أن يعقد لهما زواجا صوريا ليحل لجعفر أن يراها دون أن تكون له زوجة فبلغ الرشيد أنها ولدت منه ثلاثة أولاد وهي حبلى في الرابع، فاستشاط من ذلك غيظا، وأمر بقتل جعفر والتنكيل بأسرته.
ثم فند الأستاذ فريد وجدي هذه الرواية بلباقة ودقة تفنيداً يقرب من وجهة نظر ابن خلدون في الأمر - فقال:(ليس بمعقول، فإن الرشيد لم يصل من قلة التبصر وعدم النخوة إلى حد أن يعرض أخته لأجنبي في مجالس لهو وشرب وغناء وهما في ميعة الصبا. لو كان السبب هو هذا لما كان هنالك من حاجة إلى إحاطته بهذه الأسوار من الكتمان، بل ولعرف ولم يحصل فيه خلاف، فإن مجرد قتل ميمونة أخته وأولادها، كان يفضح الخبر إلى حد بعيد، ولما كانت تضطر (علية) أخته أن تقول - كما حكاه ابن بدرون:
(يا سيدي. . . ما رأيت لك يوم سرور تام منذ قتلت جعفر. فلأي شيء قتلته؟) فأجابها هارون بقوله: (يا حياتي لو علمت أن قميصي يعلم السبب في ذلك لمزقته.) فهل كان يخفى على مثل (علية) وهي من أعظم نساء الأسرة المالكة ما حل بأختها ميمونة وأولادها؟ الناس مغرمون بسماع الغرائب وروايتها، وهذا مجال يجد فيه الخراصون مكانا رحبا