لإشباع نهمتهم في الاختلاف، فأفرغوا ما في جعابهم حول هذه المسألة وأنتهبه الناس انتهابا وزادوا عليه ما شاءوا)
دحض هؤلاء المؤرخون الثقات تلك الرواية التاريخية المدسوسة عن علاقة العباسة بجعفر بقياس للعاطفة فيه نصيب وافر، وإننا نجد، بالإضافة لذلك أن في استقراء الحوادث والاستنتاج من الوقائع والروايات التاريخية ما يكشف عن بطلان تلك العلاقة ويؤيد الرأي الذي ألمعنا إليه في صدر هذا المقال بأن هذا الخبر قد خلق وأذيع لغرض مقصود.
فلو تعقبنا الخبر في صفحات كتب التاريخ القديم نصطدم لأول وهلة في اضطراب وتباين في تعيين اسم الأميرة العباسية التي كانت لها علاقة أو (زواج صوري) مع جعفر البرمكي، فبعض المؤرخين ذكر اسمها (العباسة) وغيرهم ذكر أنها (ميمونة) وهذا الاختلاف في تعيين اسم بطلة حادثة مروعة - في حينها - هزت الدولة العباسية من شرقيها إلى غربيها لا يصح أن يختلف في معرفة اسمها سواد الناس بل خاصتهم، لذلك فلا حرج أن يرتاب ذوو الرأي بصحة وقوع تلك الرواية.
ومما تزيد فينا الريبة والشك بتلك الوصمة التي ألصقت بالعباسة أن كتب التاريخ والأدب لم تتحدث عن مزايا خاصة للعباسة ترفعها مقاما عن سائر نساء القصر والأسرة المالكة لا في الرأي ولا في الأدب والشعر أو أي شيء آخر، فلم كان الخليفة يصبر عن زوجته زبيدة، أو أخته (علية) التي كانت تجيد أكثر من فن من فنون الشعر والأدب والغناء، أو عن جواريه وإمائه مثل ذات الخال ودنانير، وخاصة في ذلك المجلس الذي كان يعقده للشرب واللهو والسمر مع وزيره جعفر. فإن كان ذلك المجلس - كما ذكر - للشرب واللهو ففي جواريه وإمائه غنى عن حضور أخته العباسة، وإن كان للرأي والمشورة، فالدليل واضح بأن الرشيد قد أبعد النساء عن التدخل في أمور السياسة وشؤون الدولة.
وقد يتبادر هذا السؤال للذهن بأنه: لم كانت العباسة، ولم تكن أختها علية ضحية تلك الدسيسة؟ بلا ريب أن الخبر كان يقبر في مهده آنذاك لشهرة علية ومنزلتها، ولأن العباسة لم تتمتع بشهرة واسعة أو ميزة نادرة بين نساء القصر. فالخبر يوصم العباسة يكون أضمن انتشارا بين العامة وسواد الناس. وآخر ما نستطيع تقديمه لنقض ذلك الخبر المختلق ما ذكره البستاني في دائرة المعارف المجلد ١١ صفحة ٤٨٨ حيث قال: (وعاشت العباسة