للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[هيئة الأمم تترنح وتتداعى]

للأستاذ نقولا الحداد

مات مشروع التقسيم (تقسيم فلسطين) وماتت معه هيئة الأمم، ثم مات وليدها (مجلس الأمن). فإن تكن الأم وأبنها لم يموتا بعد فإنهما في حالة النزع. ولن يسير في جنازتها سوى بني إسرائيل الذين كانوا ينوون أن يجعلوهما مطيتين للوصول إلى عرش السيادة على العالم ولكن العناية الإلهية لا تشاء أن يكون سطح الكرة الارضية كله أرض الميعاد، ولا أن يكون أرض ميعاد على مدى الزمان. إن هؤلاء الناس قد خدعهم غرورهم وغرر بهم وعد موسى أولاً ثم وعد بلفور ثانياً. فمشوا في طريق وعر، فإذا هم يقعون في واد عميق تحطمت فيه آمالهم كلها.

ظننا أن الحرب الأخيرة كانت عبرة لساسة الأمم يتعلمون منها أن الجنس البشري لا يعمر على الأرض إلا على أساس السلام، وأن السلام لا تقوم له قائمة إلا على أساس العدل، وأن المرشد إلى العدل هو الضمير الصالح؛ كذا كنا نظن، فإذا بنا نرى حمامة السلام على الأرض مذبوحة تتخبط بدمها.

وكنا نظن ايضاً أن هؤلاء الساسة أدركوا في نور الحكمة السياسية أن الناس وهم أمم متفرقة يتعذر أن تتفق مصالحهم وتهمد غلواء مطامعهم في هذا العصر الذي تهدمت فيه الحدود بين المماليك، وأصبحت الأمم متشابكة في المعاملات رغم أنوفها، فيصعب أن يتفق ساستها على الأتحاد الاجتماعى، وأصطنعوا للجنس البشري كله نظاماً عاماً يربط بعضهم ببعض ويتفادون به الاحتكاك المثير لحروب عالمية. فإذا بنا نراهم يزيدون شقة الخلافات بينهم أتساعاً بحيث يستحيل الوئام والسلام.

ثم رأينا أنهم أنشئوا المنشأة العظمى - هيئة الأمم - ثم المنشأة الصغرى - مجلس الأمن - التابعة لها، فاستبشرنا باهتداء الوجدان العالمي إلى أن السبيل الوحيد إلى اتحاد الأمم وتفادي خصوماتها هو إنشاء دولة عالمية كبرى تجمع جميع الدول وتقيم لها نظاماً عادلاً عاماً ينصفها بعضها من بعض ويوزع أسباب المعايش لها جميعاً بالتساوي المتناسب. وأملنا أن العالم سيعيش في ظل هذا النظام الدولي بسلام متمتعاً بما أسبغ الله عليه من نعم الأرض.

<<  <  ج:
ص:  >  >>