ينقضي بانسلاخ اليوم التاسع من هذا الشهر (مايو) خمسة عشر عاماً على وفاة نابغة الأدب وحجة العرب السيد مصطفى صادق الرافعي، فقد انتقل رحمه الله إلى الرفيق الأعلى في فجر يوم الاثنين الموافق ١٠مايو سنة ١٩٣٧، وانقطع من هذا اليوم وحي البيان العربي الذي كان يتنزل على قريحة هذا البليغ الكبير فتخرجه آيات من البيان العربي لا تكاد تتفق إلا للأفذاذ من البلغاء الملهمين.
وإذا كان قد جاء في الأثر أن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد للمسلمين دينهم، فإنه سبحانه يبعث بين الحين والحين من يجدد للغة العربية بلاغتها ويحيي في كل عصر معجزتها، ذلك أن حكمة الله لا تذر هذه المعجزة بغير أن يرسل لها من يحامي عنها، ويجدد فيها.
ولا يستريب أحد أن هذا النابغة قد بعثه الله في هذا العصر ليجدد من بلاغة البيان العربي، ويضيف من وحي قريحته إلى الميراث الأدبي.
وقد كان هو على يقين من أنه رسول بياني أرسل لتأييد بلاغة القرآن، ويحيي آدابه وأخلاقه التي هي حصون الإسلام، وأن عليه رسالة ثقيلة لا بد له أن يؤديها على وجهها، مهما ناله من العنت في سبيلها، وقد أجملها رحمه الله في قوله: -
(القبلة التي أتجه إليها في الأدب إنما هي النفس الشرقية في دينها وفضائلها، فلا أكتب إلا ما يبعثها حية ويزيد في حياتها وسمو غايتها ويمكن لفضائلها وخصائصها في الحياة، ولذا لا أمس من الآداب كلها إلا نواحيها العليا، ثم أنه يخيل إلى دائماً: أني رسول لغوي للدفاع عن القرآن ولغته وبيانه)
وقد عاش ما عاش يجاهد في سبيل هذه الرسالة لا يمل ولا يلين، وناله في هذا الجهاد ما ينال الرسل من جهادهم من أذى، وأصابه ما يصيبهم من إرهاق حتى لقي ربه راضياً مرضيا.
وإذا كنا اليوم لا نستطيع إشباع نهم القول في نواحي هذه الرسالة لأن المقام لا يحتمل ذلك