قال صاحبي: هل ذكرت الفأس في كتابك، وعطفت عليها بآدابك؟ قلت: نعم وصفتها، وأنصفتها. فاسمع أيها الصاحب الرشيد، ما تريد:
الفأس في تكوينها لا تزيد، عن قطعة من حديد؛ ركبت في غصن تمرد بعد لين، وتجرد بعد تزيين. هذه في تكوينها هي الفأس، أداة البأس؛ فإن لم يدل صنعها على المهارة، فإن وراءها روح جبارة؛ ترد الشظف إن عدا، وتصد السغب إن اعتدى. .
رأيت حامل الفأس في الصباح، كجندي شاكي السلاح؛ يذل بطش العيش ببطش شديد، ويفل بأس البؤس ببأس الحديد؛ فقلت بخ بخ أيها الإنسان، هكذا العزة تصان! وبهذا الفأس يتحطم اليأس! سر في طريقك غير ملوم فلن يثنيك عن الحرية غشوم! وواصل الكد في إيمان، وابحث عن الرزق في اطمئنان؛ غير مسحور بكذب الآمال، ولا مأسور بذهب الأغلال، فإن فأسك أمضى في المنفعة، من السيف في المعمعة؛ وأسرع في الإجابة، من القلم في الكتابة؛ فلو حكمت بأنها أعز من حسام الكمي، وأغلى من يراع العبقري، لكنت في حكمك صائباً، ولم تك كاذباً!
والفأس في يدك أيها الزارع، كالمبضع في يد الطبيب البارع؛ لها رهبة السلاح، وعليها سمة الإصلاح، تعمل حدها في الأرض، فتنسق كثافتها، وتستأصل آفتها. وتمهد السبيل للماء. وتعد الحقل للنعماء. . .
وحسب الفأس شرفاً أنها تؤتي نائلها، وتحمل حاملها؛ بل تحنو على من يحنو عليها؛ وتعز من يلتجئ إليها؛ فترحمه من المن، وتقيه سوء الظن؛ وتدر به بطول الركوع على الخضوع لله، وتهون عليه ما تعقد من أسباب الحياة!