أما القصيدة الموجهة إلى ولده وخليفته حسّان والتي اقتضت التقاليد والعرف أن يقولها فلا تعدو نصيحة الوداع وقد استنفد جزءاً كبيراً منها في تعداد غزواته والفخر بأسرته وبنفسه وكل ما نجده فيها من الأمثال والنصائح لا يعدو قوله:
حضرتْ وفاة أبيك يا حسّان ... فانظر لنفسك فالزمان زمان
فلربّما ذل العزيز وربّما ... عزّ الذليل وهكذا الإنسان
وعلى ذكر غيمان فيمكن إضافة بضع كلمات قلائل حول قلاع اليمن التي تجثم بقاياها الخربة وتتراءى للمسافر المار بها في وحدتها متجهمة ساخرة؛ ومنذ ألفي عام، وربما قبل ذلك بكثير كان يسكن هذه القلاع والحصون أمراء أقوياء الشكيمة مستقلون أو شبه مستقلين يولون ملوكهم ويعزلونهم أحياناً حينما أخذت دعائم الإمبراطورية الحميرية تتداعى. ولقد أسهب الهمداني الجغرافي في وصف هذه القلاع في المجلد الثمن من مؤلفه العظيم (الإكليل) الذي تناول فيه تاريخ اليمن وذكر عادياتها وآثارها، وإن أقدم هاتيك الحصون وأشهرها لهو المسمى (غمدان) قلعة صنعاء، ويصفونه بأنه صرح هائل ذو عشرين طابقاً ارتفاع كل طابق عشر أذرع؛ وقد شيدت أوجهه الأربعة من حجارة متباينة الألوان: بيضاء وسوداء وخضراء وحمراء، وعلى قمة الصرح غرفة ذات نوافذ رخامية محلاة بالأبنوس والخشب المصقول، وفي وسطها لوحة مرمرية فإذا ما اضطجع صاحب غمدان على سريره، شاهد الطيور محلقة فوق رأسه، واستطاع أن يميز الحدأة من الغراب؛ وفي كل ركن من أركان الغرفة قد نصب تمثال أسد من البرنز، فإذا ما هبت الريح تغلغلت في ثناياها، فيخرج منها إذ ذاك صوت أشبه بزمجرة الليوث.