وإن مخاطرات (أسعد كامل) مع الساحرات الثلاث تذكر القارئ ببعض مناظر خاصة في رواية ماكبث. وإن العجيب في تاريخ ابنه حسان، تلك الحادثة التي تؤلف منظراً أشبه بمنظر مسير غابة برنام. وهنا نشير إلى قبيلتي طسم وجديس، ولما أحدثت جديس المجزرة التي فتكت فيها بطسم استطاع أحد أفراد القبيلة الثانية الهروب وهو (رباح بن مرة) فاحتمى بتبع حسان، واستطاع أن يؤثر فيه حتى أرسل معه جيشاً ليقتص به من القتلة. وكانت أخت رباح وتدعى (زرقاء اليمامة) قد بنت بأحد رجالات جديس، وكانت حادة البصر حتى لقد كان في استطاعتها أن ترى الجيش على بعد ثلاثين ميلاً، ولما كان رباح يعرف ذلك في أخته فقد نادى في الجيش أن يقتلع كل رجل شجرة ويحملها أمامه. وإذ جن المساء وأصبحوا على مسيرة يوم من جديس قالت زرقاء اليمامة لقومها:(إني أرى غابة تسير إليكم) فلم يصدقها أحد وسخروا بها حتى إذا كان الصباح أغار حسان عليهم وأعمل السيف في رقابهم.
ولقد أحس زعماء حمير أن الحملات الحربية - التي شجعها حسان - إنما هي عبء ثقيل عليهم، فدبروا مؤامرة لذبحه وتولية أخيه عمرو مكانه، فقالوا له:(اقتل أخاك حساناً وتملك علينا وترجع بنا إلى بلادنا) فامتنع بادئ ذي بدء وأبى الخضوع لما أشاروا به، غير أنهم استطاعوا التغلب عليه فطعن بيده تبع؛ بيد أن الجرم أقض مضجعه، ولم يذق جفناه الكرى فصمم على أن يقتل كل من وسوس إليه بذلك؛ وكان هنا زعيم يدعى (ذا رعين) حاول جهده إنقاذ عمرو مما هو مقدم عليه فما استطاع، ولما وجد أن محاولاته ذهبت عبثاً كتب رقعة رفعها إليه وختمها وقال له:(ضع لي هذا الكتاب عندك حتى أطلبه) فلما مثل ذو رعين أمام عمرو سأله عن الرقعة فأخرجها:
ألا من يشتري سهراً بنوم ... سعيد من يبيت قرير عين
فأما حمير غدرت وخانت ... فمعذرة الإله لذي رعْين
فلما قرأها عمرو أيقن الإخلاص في قوله ثم أطلق سراحه وقد انتهى عهد التبابعة بعمرو هذا. أما الملوك الذين خلفوهم فقد كان يختارهم ثمانية أقيال أقوياء، كانوا في الحقيقة أمراء مستقلين، يحكم كل منهم في حصنه القوي. وفي أثناء هذه الفترة غزا الأحباش بعض أجزاء المملكة، وأرسل النجاشي ولاته المسيحيين ليحكموها باسمه، حتى قام أخيراً ذو