يقوم تمثال الأمير السعيد على عمود باسق يشرف على المدينة، وقد كست التمثال لفائف من صفائح الذهب الخالص، وجعل له من الياقوت الأزرق عينان، وأمسك بسيف في قبضته ياقوتة حمراء. وكان هذا التمثال موضع الإعجاب والفخار من الناس أجمعين، فينظر إليه عضو من أعضاء المجلس البلدي فيتحدث عنه ويتكلف الوصف والتشبيه حتى يقول (إنه لجميل، وله من الجمال ما لديك الرياح، وإن لم تكن ما لذلك الديك من المنفعة) وكان هذا العضو يحاول ما استطاع في تشدقه بالحديث أن يمتاز بما للفنانين من بديع الذوق، وما للعمليين من صدق النظر،.
وتمر بالتمثال إحدى العاملات وبيدها طفلها يبكي لأنها لم تستطع أن تجتذب إليه القمر، وتقول له مفتخرة بالأمير السعيد (لم لا تكون يا بني كهذا الأمير، وما أحسبه بكي في حياته من حاجته لشيء؟)
وينظر إلى التمثال رجل قد شاع في نفسه اليأس ويقول (كم يسرني أن أرى على الأرض رجلاً قد حاز السعادة كاملة).
ويطوف بالتمثال أطفال المبرة وهم منصرفون من الكنيسة في أرديتهم القرمزية، وعباءاتهم البيضاء الناصعة فيقولون (أليس هذا التمثال شبيها بالملائكة!!) فينهرهم أستاذ الرياضة في حدة وجفاء مستنكراً هذا التشبيه (وأنى لكم هذا وأنتم لم تروا واحداً من الملائكة؟) فيجيب الأطفال (نحن لم نر الملائكة جهرة ولكنهم طافوا بنا في أحلامنا) فيعبس أستاذهم ويتولى.
في إحدى الليالي كان يطير فوق المدينة سنونو صغير، وكان رفاقه قد رحلوا إلى مصر وتقدموه بستة أسابيع وتخلف هو عنهم وقد فتن بحب مغردة تقطن شجر الغاب الذي يكتنف النهر، وكانت أجمل بنات جنسها، لقيها في الربيع وهو يطارد يراعة كبيرة صفراء، فأعجبه خصرها الناحل، فكاشفه بحبه وابتدرها في صراحة وبيان (أتأذنين لي في حبك؟)