للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بعد عشرين قرناً

حضارة عربية تنكشف عنها الرمال

للأستاذ وندل فيلبس

رئيس البعثة الأثرية الأمريكية

كانت ليلتنا الأولى بين عرب وادي بيجان في عدن تبدو في ظاهرها كأنما انتزعت مباشرة من دنيا ألف ليلة وليلة. فما كانت هوليود ذاتها مستطيعة أن تفعل خيرا مما فعله مضيفنا الشريف حسين بن أحمد حاكم بيجان. لقد جلسنا متربعين في باحة القصر نشاهد الرقصات الغجريات اللواتي خلبن ألبانيا بحركاتهن الرتيبة المثيرة في أضواء الشموع المرتعشة، بينما كانت الطبول تملأ الظلمة بأصدائها الخافتة، وأنغام الناي تنساب حلوة ناعمة.

وكان يهيمن علينا جو من أجواء الأساطير. فأنت تحس فيه بنكهة الخيال، وطعم الخطر، فقد قام على مقربة منا مائتان من الحرس القبليين اليقظين، كالحي الوجوه، يحملون جنبياتهم (خناجرهم) الكبيرة في مناطقهم المنتفخة بالرصاص، ويتنكبون بنادقهم المهشمة تسندها سواعدهم المعروفة التي كانت تبدو واضحة من بين أسمالهم الصحراوية الممزقة.

كنا نعرف ما يتصف به بدو الجنوب في الجزيرة العربية من الخطر، وما هم عليه من كره شديد، يذكيه ما في الإسلام من حماسة وحمية، لكل من يتطفل على بلادهم من الأجانب. كما كنا نعرف عن المحاولات التي سبق وقوعها على حياة الشريف حسين. ولكن هؤلاء الحراس، مع استعدادهم لكل ما قد تنشق عنه الصحراء من الأخطار، كانوا يتابعون الراقصات بأبصارهم. وقد استطعت وأنا أتطلع حولي دهشا لذلك المنظر، أن أشاهد أسنانهم البراقة وهم يبسمون لبعضهم، ويكز بعضهم بعضا، عندما تمر إحداهن على مقربة منهم.

وكان الشريف حسين، وهو من أطول وأجمل من رأيت من العرب، يبتسم هو أيضاً، ويلوح لي بيده، إشارة على انه يود الحديث معي بوصفي قائدا للبعثة، كان يجلس في مقابلتي موليا ظهره للفتيات اللواتي طالما رقصن من قبل لتسليته، وكان الدكتور أثريي البعثة ومترجمها بجانبي، وهو يتكلم خمسا وعشرين لغة، فوكزته، فأومأ إلى الشريف

<<  <  ج:
ص:  >  >>