للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

حسين، فردا هذا مرحبا بقوله: (أهلا وسهلا) وكأنما لم يقلها لنا من قبل، مع أني أصبحت أعرف بأن معناها: (مرحبا بكم وطاب مرعاكم) فرد عليه العلامة أولبرايت تحيته.

كان الشريف حسين، الأريحي المرح، الذي بهرته قافلتنا الميكانيكية، قد أبدى لنا منتهى الكرم، كأنما كنا الرئيس ترومان ووزراءه. إن وصولنا ذات مساء إلى وادي بيجان، بعد رحلة طويلة مضنية، من خليج عدن، حدث من الأحداث الكبرى في تاريخ وادي بيجان الحديث. فقد كنا أول جماعة من الأميركان تقع عليهم أعين البيحانيين. لقد جئنا، نحن الخمسة عشر، لإزاحة الغطاء عن حضارة تعرف بالقطبان، قامت على عبادة القمر، ثم انقرضت قبل ٢٠٠٠سنة، بعد كارثة لا بد وأن تكون قد هزت العالم العربي القديم من أساسه.

تلك الكارثة هي خراب (تمنا)، عاصمة القطبان القديمة. فمنذ ذلك الحين أسدل الصمت ستار كثيفا من النسيان على تاريخ الوادي، حتى أن سكانه المعاصرين، ليست لديهم أية فكرة عن أسلافهم المدهشين، الذين عملوا علىإشادة طريق البهارات في أيام التوراة، وعلى تحويل هذه الأراضي القاحلة إلى ما يشبه الدوريدو الأعصر الغابرة.

لم أتأثر قط في سني التسع والعشرين، كما تأثرت هذه المرة، فإن زيارة وادي بيحان النائي الذي يكاد يكون مجهولا جهلا تاما، كانت هدفي منذ سنين. ولكني كنت وأنا أقابل ابتسامة الشريف حسين بمثلها، أحس بالسعادة تغمر كياني لوجودي في وادي بيحان، كما أحس بالألم للحالة السيئة التي تدهور إليها بيحانيون. لقد عاشت ملكة سبأ على مقربة من هذا المكان يوما ما، فلا بد وأنها مرت بهذه الرمال مرارا عندما كانت حقولا نضرة غنية بالمياه.

لقد أعادني التفكير في الملكة التي أمطرت الملك سليمان بالهدايا - كما تقول التوراة - والتي يشك بعض العلماء في وجودها، إلى حاضري أمام الراقصات الغجريات. لابد أنها كانت تبدو مثلهن، فقد جاءت كما جئن من مكان يسمى سبأ، وهو جزء يقع اليوم في اليمن. إن هؤلاء الغجريات، سمر البشرة، متناسقات الأعضاء، مشجرات المآزر والقمصان، وإن يكن تفصليها غير متقن في أذواقنا.

كانت كل منهن تتحلى ب ٥٠ رطلا من الحلي الفضية حول رقبتها، ومعصميها، وساقيها.

<<  <  ج:
ص:  >  >>