كان اليوم يوم عيد الأطفال فأخذ أهل المصيف يتوافدون على فندق كبير وكل معه طفل أو طفلان. وقد ارتدت الأطفال أزياء مختلفة جميلة. فهذا الطفل من سكان الجبال، وذاك راجات الهند، وهذه شريفة، روسية، وتلك راقصة إسبانية. وهكذا اجتمعت للمتفرجين مجموعة طريفة جميلة من أزياء مختلفة يزيد جمالها أن ممثليها كلهم أطفال تقل أعمارهم عن العشر سنوات.
وصدحت الموسيقى الراقصة وحملت نسمات البحر أنغامها إلى الآذان فهزت القلوب هزاً لذيذاً مطرباً. واندفع الأطفال في حماس بريء يرقصون ويضحكون ويهللون. وكانت هي بينهم طفلة في السابعة أو الثامنة من عمرها. مرتدية لباس راقصة حديثة لونه أخضر جميل. وقد بدت منه تقاطيع جسمها جميلة منسجمة بديعة التكوين. وما كاد نصف الأطفال ينأى عن مكان الرقص ليستريح حتى اندفعت هي إليه ترقص رقصاً فنياً رشيقاً مدهشاً. واتجهت إليها الأنظار كلها. وخجل الأطفال من رقصهم البسيط الفطري فانتحوا ناحية يفسحون المجال لتلك الطفلة الراقصة.
ما دهشت لرقص قدر ما دهشت لرقصها، وما هزني الطرب لمنظر أعجبني قدر ما اهتززت لمنظرها، أي جمال! أي فن! أي طفولة مرحة بريئة ساذجة! هذه هي الحياة عندها: رقص وموسيقى، فرح ومرح، حب وإعجاب، لقد دوى التصفيق في أذنها مراراً فاتسعت له حدقتا عينيها اتساع النشوة والرضى، وأغراها التصفيق بالمزيد، بل بالتفنن في المزيد، فمازال بها ظمأ إلى الإعجاب والاستحسان. ترى أتظل الحياة لها هكذا؟ أتظل هي هي مرحة، طروباً لاهية، راقصة؟ أم ستضطرها الحياة إلى تذوق ألوان أخرى منها؟ أستعرف الألم، أستعرف العذاب؟ أستنسى المرح؟ أستظل راقصة أم سيبدل الدهر رقصها نحيباً مشجياً؟
لهفي عليك، طفلتي يوم تودين الرقص فلا تستطيعين! لهفي عليك نوم تذكرين أيام طفولتك بالحسرة اللاذعة والألم الأليم! ترى أستظل نظرتك كما هي إلى تصفيق الناس وإعجابهم