بك؟ أستظلين ظامئة إليهما تسعين إلى المزيد ولا ترضين إلا به، أم ستستتفهين هذا الإعجاب وتزدرين هذا التهليل والتصفيق؟ ترى أتظلين حريصة على رضى الناس عنك أم ستعلمك الأيام أن رضاءهم أرخص من أن تسعى إليه؟ كم أخاف طفلتي هذا الإعجاب، كم أخافه على أخلاقك وعلى حياتك المستقبلة. ستتعودينه، وستفقدينه وستتألمين أمض الألم لفقده، ثم سترينه يكال لغيرك كيلاً، ولكن الحياة ستسلمك إلى نوع من الرضى اليائس، ستعرفين بعد أن تصهرك الآلام أن الأيام دول وأن الدوام نقيض الحياة، ستؤمنين بكل هذا ولكن بعد دروس ودروس. دروس لا كدروس الرقص التي تعلمتها فرحة لذيذة منعشة. ولكنها دروس قاسية مؤلمة موئسة.
ودوى التصفيق فانحنت الطفلة الراقصة وكم كانت رشيقة في حركاتها الشاكرة الراضية، كم كانت الغبطة تشع من عينيها بريقاً لامعاً. وانتحت الطفلة ناحية ثم عزفت الموسيقى دور رقص روسي، فقامت طفلة أخرى في لباس رقص روسي وأخذت ترقص رقصة صعبة بديعة. وكال لها المتفرجون التصفيق كيلاً، فأدرت رأسي أبحث عن الطفلة الأولى. كانت في ركن بعيد تنظر إلى الراقصة الجديدة نظرة المتعجب المعجب الفرح، وتتبع حركاتها حركة حركة فتصفق لها كلما قامت بحركة صعبة فأتقنتها، كانت أشد المعجبين بالراقصة الجديدة حماساً وأخثر المتفرجين تصفيقاً لها. يا للطفولة البريئة الطاهرة! لم تخط الغيرة بعد سطراً من سطورها ولم يخط الحسد كلمة من كلماته. يا للطفولة المرحة الطروب ما أجملك وما أطهرك!
وصدحت الموسيقى ثالثة فقامت الطفلة راقصة لاهية طروباً، ودوى لها التصفيق وانتشت بنشوة الإعجاب بها من جديد، تفننت في رقصها وأبدعت. فلمت نفسي على أوهامي وخيالي. حصن الطفولة مازال حصيناً لم ينفذ فيه سهم من سهام الدهر بعد. ليتك تظلين طفلتي هكذا. ليت الحياة تدعك كما أنت عصفورة من عصافير جنتها تغنين وترقصين وتلهين. ليتك لا تعرفين للحياة معنى غير ما تعرفين الآن. أبقي طفلتي كما أنت راقصة. فرحة مرحة إلى ما شاء الله. الحياة الحياة ما هي؟؟: رقصة. فأرقصيها لاهية.