[اللقاء الأول]
للأستاذ عبد الحميد السنوسي
هل تذكرين لقاءنا لما التقى ... طرفي وطرفك فالتقى القلبان
في ليلة صخابة وضَّاءة ... من كل مبتهج بها زوجان
أقبلتِ مثل الفجر يفترس الدجى ... فإذا العيون جميعهن روان
تمشين مشرقة الجبين محاطة ... بالسحر في جمع من الخلان
فتلفتتْ عيناي نحوك وانثنى ... قلبي وأفلت من يديَّ عناني
ومشيتُ نحوك واجفاً متردداً ... فكأنني أمشي إلى بركان
متثاقلاً في خطوتي متعثراً ... متهيباً مستهتراً في آن
ثم اتجهتُ إلى الرفاق محيياً ... وجلست منك على شفير دان
وطفقت أهذي في الحديث لعلني ... أخفي الجوى وأَصد من هيماني
فسألتِهم عمَّنْ أكون ورنَّ في ... أذني سؤالك كالحيا الهتان
ورنوت في خفر إليَّ ورقة ... لما علمت من الصحاب مكاني
وأتى الشراب مصفقاً فدعوتِني ... للشرب خجلى فالتقى الكاسان
وشربت من فمكِ الجميل المشتهى ... راحاً فهيّج صبوتي الراحان
وتجاوبت في النفس أصداء المنى ... وسرت حمياً الخمر في جثماني
وخشيت أن تطغى عليَّ لواعجي ... فمضيت في هذري وفي هذياني
أنا من تسامى للكمال فلم أجد ... إلاَّك في هذا الوجود الفاني
أنا من تدلَه في هواك وإن أكن ... لم أقض في دنياك غير ثوان
أنا من بعثتِ الروح فيه فجاءة ... ودعوتِه فسعى من الأكفان
أنا من علمتِ ومن جهلت حنينه ... فتركتِه في ملتقى الوديان
يشدو فيذهب شدوه في عاصف ... داوي الصدى طاغ على الآذان
أبداً ينوح ولو سمعت نواحه ... لشجاك ما يلقى من الأشجان
فلكم بكيتُ فما وجدتُ مشاركاً ... لي في الأسى يبكي لما أبكاني
ولَكَمْ ضحكت وما ضحكت وإنما ... أخفيت في الضحك ما أشجاني