للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[شعراء الجاهلية]

طرفه بن العبد

للأستاذ بشير الشريقي

مسكين طرفة! لقد ثكلته آلهة الشعر والهوى والخمور باكراً غضاً نضير العود، مسكين لم يمتع بالشباب؛ بل كان لا يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره حينما طوته المنون في سجل العدم ودفنت معه عبقرية فياضة، وذهنية جبارة، وشاعرية قوية حارة. خمسة وعشرون حجة، إنها لحلم قصير يا طرفة. . ولكنه حلم لذيذ، وحلم جد عجيب أيها الشاعر الاغتنامي والشاب الفيلسوف المتهتك.

على رمال الصحراء الطليقة ولد طرفة، ولكن متى؟ هذا ما لا يعلمه أحد؛ كان والده من سادة (بكر وائل) ومن ذوي الشرف الرفيع والمقام المحمود في قومه، وسمع طرفة يفتخر بأصله:

لقد علم الأقوام أنا بنجوة ... علت شرفاً من أن تضام وتشتما

لنا هضبة لا يدخل الذل وسطها ... ويأوي إليها المستجير فيعصما

وتشاء الأقدار أن تسلب الشاعر والديه وهو لم يزل طفلاً في المهد فينشأ المسكين كما نشأ الحطيئة والأخطل وبشار وأبو نواس وابن الرومي، يتيماً محروماً من كل عطف ورعاية، لا يعرف سوى أعمامه الذين أهملوا تربيته وهضموا حقه.

لقد ثار طرفة في شبابه على هؤلاء الذين نبذوه وظلموه وكانوا علة شقائه، ثار على أعمامه وذوى قرباه، وفى ساعة ذكرى ماض محروق مهان، وطفولة نكدة محرومة، تلهم عرائس الشعر هذا العبقري الصغير أبياته الخالدة:

فمالي أراني وابن عمي مالكاً ... متى أدن منه ينأ عنى ويبعد

يلوم، وما أدرى علام يلومني ... كما لامني في الحي قرط بن معبد

وظلم ذوى القربى اشد مضاضة ... على المرء من وقع الحسام المهند

ولا أعلم كيف عاب بعض النقاد الأدباء هجاء طرفة لقومه في قوله:

أسامني قومي ولم يغضبوا ... لسوءة، حلت بهم فادحة

وكلهم أروغ من ثعلب ... ما أشبه الليلة بالبارحة

<<  <  ج:
ص:  >  >>