أريد أن أقسم موضوع مقدار الرقي والتغير في بلاد العرب الشمالية إلى قسمين: أولاً بحث الموضوع من الوجهة الجغرافية؛ ثانياً بحث قابلية سكان تلك الأقطار للرقي. وفي النهاية نستخرج خلاصة هذين القسمين في نتيجة لنكون لنا فكرة عن المستقبل.
العوامل الجغرافية الخارجية
يجدر بنا عند بحث الوجهة الجغرافية أن نقسمها إلى فصلين: عوامل خارجية وأخرى داخلية. إن أول ما يلفت نظر الإنسان في بحث أهمية الأقطار العربية في السياسة الدولية من وجهة جغرافية خارجية هو كونها ممراً بين أوربا وآسيا، وإذا ما رجعنا إلى الوراء نجد إنه منذ بدء التاريخ لم توجد طريق بين الهند والشرق الأقصى وبين أوربا - طريق يمكنها أن تحتل بالفعل مكانة الطريق التي تمر من الأقطار العربية. ويرجع ذلك لكون بلاد فارس والأناضول تحتل جانباً من جانبي هذه الطريق، والسودان والحبشة والصحراء الكبرى تحتل الجانب الآخر، ونظرة إلى الأناضول وبلاد فارس، وهما بلدان جبليان، وإلى الحبشة والسودان والصحراء وهي بلاد صحراوية، ترينا أنهما يشكلان حاجزين في طريق الشرق وبينهما مصر وسوريا الطريق الوحيد للشرق. لقد حفرت قناة بين النيل وبين البحر الأحمر لتحمل التجارة منذ زمن الفراعنة. وعند قيام البتراء كانت البضائع تحمل على الجمال على طول الشاطئ الحجازي لتوزع على الإمبراطورية الرومانية، كما نقلت التجارة على الفرات قاطعة بادية الشام إلى تدمر. وفي زمن النبي (صلعم) كانت لمكة أهميتها التجارية الخاصة إذ كانت البضائع تحمل على الجمال وتقطع الحجاز إلى الإمبراطورية الرومانية ليستفيد الرومان منها دون الاضطرار إلى مرورها بالمناطق الفارسية. وقد حاول البرتغاليون في القرون الوسطى تأسيس مراكز تجارية في الخليج الفارسي والبحر الأحمر ثم في عدن - كما أن البريطانيين اتخذوا الفرات لتأسيس مصلحة مراكب بخارية تنحدر