لعل أشد الأدواء فتكاً في النفوس، وأكثرها ذيوعاً وانتشاراً، وأعمقها أثراً وتغلغلا، هذا الضعف في الإرادة أو التردد في العمل. يقعد بالمرء عن تحقيق رغائبه وآماله، ويمسكه عن تنفيذ مشاريعه وخططه، ويحول بينه وبين الإنتاج المتصل الذي يفيد الأمة ويفيد الإنسانية ثم يدفعها نحو المثل العليا الثلاثة: الخير والجمال والحقيقة
ومن العجب أن التردد على شدة فتكه وكثرة ذيوعه وعمق تغلغله لا يحسب ولا يلتفت إليه كأنما هو عرض من هذه الأعراض الهينة اليسيرة التي لا قيمة ولا وزن، أو كأنما هو شذوذ خفيف ضئيل في اتجاه مجرى الإرادة الصحيحة القوية!! ولعمر الحق ما شيء أنكس للرقى والمدنية وأدعى إلى الجمود والموت مثل التردد والإحجام (يصيب المرء في حياته العملية فيغل يده، ويشل عقله، ويتركه فريسة للألم من ضعفه، والخجل من صحبه. تظهر أعراضه في صغار الأمور وكبارها، فيكون في انتقاء الثوب واختيار الحالة، وفي الإقدام على الزيارة القصيرة والرحلة الطويلة، ويدخل في لذاذات الرجل وأعماله، كما يدخل في إدباره وإقباله)
أجل! يكون التردد في زورة الصديق، وافتتاح الحانوت، وارتياد المقهى كما يكون في طلب العلم والقوت والمال. وسواء أدخل في حقير الأمور أم جليلها فإنما هو يقف النهضة، ويبطئ الحركة، ويعوق عن التجدد والإبداع
لقد كشف السيكولوجيون عن نفسية المتردد، وأوضحوا المظاهر المتباينة العنيفة التي تطغى عليه وتأخذه بالحيرة والقلق فقالوا إن كل فعل إرادي لابد أن يجتاز على التوالي أربعة أطوار:
١ - تصور غاية الفعل، وإدراك المقصود من تحقيقه
٢ - طور الموازنة والمفاضلة. ذلك بأن كل فعل إرادي له بواعث قلبية وجدانية تخلقها الأهواء والميول، وتغذيها العواطف والنزعات، وتنميها المشاعر والأحاسيس. وعوامل عقلية ذهنية مصدرها المنطق والمحاكمة والمعرفة. فالمرء في هذا الطور يوازن بين البواعث القلبية والعوامل العقلية ويفاضل بينهما، ويقوم بعملية حسابية يزن بها قيمهما