٣ - طور التقرير، ذلك أن المفاضلة بين البواعث والعوامل لابد أن تسفر عن نتيجة هي حل الفعل وتقريره
- طور التنفيذ - والتنفيذ تاج يزين هام الفعل الإرادي، ويتم محاسنه
شاء بعضهم أن يحذف من هذا التقسيم طور التنفيذ لأن الفعل الإرادي في نظره مرتبط من الوجهة النفسية بالتنفيذ أو عدمه. على أنه ينبغي أن يكون ثمة بداية في تحقيق الفعل واتجاه نحو العمل. لذلك قلنا إن التنفيذ (تاج يتمم محاسن الفعل الإرادي ويزين هامته)
فالتردد إنما يكون في الطور الثاني، طور الموازنة والمفاضلة. والمتردد إنما تتجاذبه البواعث والعوامل، يوازن بينهما ويفاضل بين قيمهما ثم لا ينتهي من موازنته ومفاضلته، ولا يضع حدا لهذا الاضطراب والفوضى. تناجيه بواعث القلب فيتفيأ ظلاله ويطمئن إلى أفنانه، ثم لا تلبث عوامل العقل أن تخرجه من طمأنينته وتغزو نفسه كلها. فهو ساحة حرب ما تكاد البواعث القلبية تنتصر فيها حينا إلا لتنخذل وتتراجع أمام قوة العوامل العقلية. وشدة منعتها، وعظمة سلطانها.
هكذا كتب الله على المتردد أن يقف بين بين، لا يقرر ولا ينفذ وإنما يخضع لطائفة من الاعتبارات النفسية المتعاكسة. وهذه الاعتبارات قد تنشأ عن خصب في الخيال، وسعة في المعرفة، وقوة في التفكير. وقد تنشأ عن تيقظ في الحيوية الانفعالية، واشتداد في الميل والهوى، وتدفق في الرغبة والعاطفة.
ومها يكن منشأ هذه الاعتبارات القوية فان المتردد عضو أشل (يعيش على هامش المجتمع البشري) كما يقول الدكتور بلوندل
قد تسأل بعد هذا: إذا كان الأمر ما تقول فما شأن الحيوان هنا؟ ومن يكون بوريدان هذا؟ وما هي العلاقة التي تصل عالم النفس الإنسانية بعالم (الحمير)؟؟
الحق إنه سؤال وجيه ممن لا يعرف وجه الاتصال والتقارب. فأما بوريدان فهو فيلسوف من فلاسفة اللاهوت والدين المسيحي في العصور الوسطى، ولد في مدينة بيتون من أعمال فرنسا الشمالية وتوفي عام ١٣٦٠ ميلادية. ينتسب إلى مدرسة (السكولاستيك) المشهورة بالجدل الديني والتفكير الغيبي، والتي من رجالها (روجر باكون) و (القديس بونا فانتير) و (دونز سكوت). وأما الحمار فقد شاء بوريدان أن يوضح (حرية الاختيار) في الحياة