للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الربيع الأحمر!]

الربيع الأحمر! ذلك هو الربيع المقبل كما يتصوره الشاعر!

لا يزال الربيع في بطن الأرض، وإن الطبيعة لتهيئ لجذوره وبذوره

الغذاء المريء والكساء الوضيء من دماء البشر!

سيولد ولادة الملوك على حشد الجنود وخفق البنود وقصف المدافع؛ وسيدرج في ظلاله الأرجوانية الموشاة على فجوات القنابل وأُخاديدها، فيبذر الحياة في الموت، وينشر الجمال على القبح، وينثر أزهاره الغضةّ على جثث وقبور! ويومئذ لا تدري وأنت ترى غيم الدخان وبرق النيران، وتسمع صفير الرصاص ورعد القذائف، أنحن في ربيع أبريل أم في شتاء يناير؟

على أن الشتاء كان على الناس سلاماً وبركة! خمدت على جليده لظى الحرب، وجمدت في ثلوجهُ مخالب الموت، واستطاع بفضله الهر الفنلندي الضئيل أن ينشب أظافره في حشا الدب الروسي الهائل؛ ولكن الربيع الذي جعله الله نشوراً للحياة ومعاداً للشباب ومبعثاً للحب، سيعين لؤم الإنسان بدفء نسيمه وصفاء جوه، على أن يجعل الأرض لنفسه مجزرة ومقبرة!

الربيع الأحمر! على ذلك هو الربيع الذي لا يخلقه الله وإنما يخلقه الإنسان! سيخلقه من الذهب واللهب والدم، فيجعل من الجداول خنادق ومن الأغصان بنادق ومن الأدواح مدافع؛ وإذن تصبح الأعشاش الناعمة المغردة المعطارة مثابة بؤس ومناحة شباب ومستودع غاز!

سيعود ربيع الله الأخضر بطيوره وزهوره ونوره وسروره إلى الجنة، وسيستعير الإنسان مادة ربيعه الدامي من جهنم، فينبت في كل بقعة من بقاع الأرض آجام من شجر الزقوم الباسق الألف، تئز في آفاقها الطوائر، وتعج في أجوافها المدافع، وتدب في مدارجها الدبابات، وتهب في مجاريها السموم، وترتد فيها أناشيد السلام وأغاريد الغزل أنات وصرخات تذوب لهولها الهائل قلوب الشياطين!

تبصروا أيها السادرون من ساسة الشعوب، أهذا هو الربيع الريان الذي جعله الله جدة للحياة ومتعة للحي، أم هو الخريف الميت أحرقته الحرب باللهب، وكفنته بالنجيع، وأخذت عواصفها الرعن تكسح الأرواح الساقطة قبل الأوان لتقذف بها في هوى العدم؟ لم

<<  <  ج:
ص:  >  >>