تستعجلون أمر الله، وتستقدمون يوم القارعة، وتحاولون أن تدكوا الأرض، وتشقوا السماء، وتذروا الكون الذي عمرته القرون وحضرته الأمم كمعبد (داجون) أنقاضاً على شمشون وأعدائه؟
هيهات أن تصيخ اليوم لنداء السلم أذن! لقد جمع الهوى بالعقل جموح الفرق الشموس، فلا هو يسمع الصوت المهيب، ولا هو يطيع اللجام الكابح!
تلك مشيئة الله، وما تشاءون إلا أن يشاء. ولعله، عزت حكمته، يريد من هذه القيامة العاجلة أن يحيى الناس حياة أُخرى على نمط من الهداية جديد
الربيع الأحمر! ذلك هو الربيع الخلاق الذي يهز الأرض هزاً فتربو وتنبت! سيهزها هز العافية ليسقط الذاوي وينتعش الهامد. والحرب تشذيب لغرس الله تقوى عليه الغصون ويزكو بعده الثمر. وآفة الحرب أنها تودي بالصالح للحياة وتبقي على الصالح للموت؛ ولكنها كالسيل الآتي يجرف تياره الجني واليابس، ويغرق طغيانه العامر والغامر؛ فإذا انقطعت روافده وجفت مجاريه عادت الأرض به اخصب تربة وأوفر غلة.
مرحباً بالحرب إذا لم يكن من خوض غمارها بد. أنها تقطع الفضول وتنفي الخبث وتذيب الغش وتذهب الوهن. ولعلنا أحوج الأمم إلى طهور الحرب يرحض عنا رخاوة الذلة واستكانة الرق! فقد غبرت على وجوهنا قرون من التبعية المستسلمة لو مرت على الضواري لطمست في جباهها معارف الجرأة، وأماتت في نفوسها معاني الافتراس. كنا نعيش في ظلال المتبوع عيش الأمان والغفلة، لا نعرف الحدود إلا على الورق، ولا نشهد الحروب إلا في السينما، ولا ندرك معنى الدفاع عن النفس في وجود الحامي إلا كما تدركه الزوجة المرفهة في وجود زوجها، والولد المدلل في حضرة أبيه، حتى فشا فينا الجبن، وغلب علينا التواكل، وقعد بنا الرضى، فتركنا ثروتنا للغريب، ووكلنا حمايتنا للحليف، وفرغنا للتنافس في الهزل، والتراشق بالتهم، والتسابق إلى النيابة أو الحكم من غير كفاية ولا غاية!
الربيع الأحمر! ذلك هو الربيع الجبار الذي يأكل غثاء الخريف وحطام الشتاء ليحيلهما في جوفه الناري غذاء لشجره ونماء لثمره!
وهو وحده الذي يستطيع أن يقتطع الحطب، ويقتطع العليق، وينبت على الجذور البالية