للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أمريكا بين الحظر والإباحة]

في اليوم الخامس من هذا الشهر ختمت في أمريكا تلك المحاولة الخطيرة التي أطلقوا عليها بحق (التجربة النبيلة): أي محاولة تحريم الخمور في جميع الولايات المتحدة بأمريكا، والأن ونحن نشهد ختام هذه التجربة يجمل بنا أن نقف لحظة لنفكر في أمرها، كيف بدأت وكيف انتهت، فإننا ونحن نعيش في أقطار إسلامية يحرم دينها شرب الخمر ويحظر بيعها وشراءها، لا يجوز لنا أن نمر بهذا النبأ الخطير كأنه أحد الأنباء العادية. بل يجمل بنا أن ننعم النظر فيه قليلا.

ليست الولايات المتحدة دولة كسائر الدول، بل يميزها أمور عديدة:

منها حجمها الهائل، فانها تكاد تعدل أوربا في المساحة. وهي وحدها

عالم قائم بذاته. ثم سكانها، وهم يربون على مائة وعشرين مليونا من

الناس، أكثرهم يمت إلى أصل سكسوني، ولكن بينهم جماعات كبيرة

من الاسكندنافيين واللاتين والسلاف وخليط من شعوب الأرض جميعاً،

هذا عدا الزنوج الذين يزيدون على عشرة الملايين، وقد جيء بهم فيما

مضى عبيداً لكي يعملوا في الحقول، ثم أصبحوا اليوم (أحراراً) لهم من

الوجهة النظرية، ما لغيرهم من الحقوق.

ثم هنالك أمر آخر يميز نظام الحكم في الولايات المتحدة، وهو أن لكل من الثماني والأربعين ولاية التي تتألف منها الدولة نصيباً كبيراً من الاستقلال الداخلي، ولهذا كانت في الولايات المتحدة دائماً سلطتان: السلطة المحلية ومركزها عاصمة كل ولاية، والسلطة الاتحادية ومركزها واشنطون. وهي التي تدير الأمور التي تهم الدولة كلها. ونظراً لحرص كل ولاية من الولايات على حقوقها واستقلالها، فان دستور أمريكا يوضح تماماً ما هو داخل في اختصاص الحكومات المحلية، وما هو داخل في اختصاص الحكومة الاتحادية كل هذا لابد لنا من تذكره كي نستطيع أن ندرك الصعوبة التي كابدتها حكومة أمريكا من أجل تنفيذ قانون التحريم. فان هذا القانون بقي حبراً على ورق، لأن معاقبة المجرمين من أجل جرائم التهريب والاتجار في الأشياء المحرمة كان من اختصاص كل ولاية وليس من

<<  <  ج:
ص:  >  >>