أورد الأستاذ المردمي قول الفرزدق في هذه الرواية في الأغاني في أثناء بحث اجتزأ به، وقد رأيت سوق القصة بتمامها في هذا المقام:
(نزل الفرزدق على الأحوص حين قدم المدينة فقال الأحوص: ما تشتهي؟
قال: شواء وطلاء وغناء. قال: ذلك لك، ومضى به إلى قينة بالمدينة، فغنته
ألا حيِّ الديار بسُعدَ إني ... أحب لحب فاطمة الديارا
إذا ما حلّ أهلك يا سليمى ... بدارةُ صلصل شحطوا مزارا
أراد الظاعنون ليحزنوني ... فهاجوا صدع قلبي فاستطارا!
فقال الفرزدق: ما أرق أشعاركم يا أهل الحجاز وأملحها!
قال: أوَ ما تدري لمن هذا الشعر؟ قال: لا والله. قال: فهو (والله) لجرير يهجوك به. . .
فقال: ويلُ ابنِ المراغة! ما كان أحوجه مع عفافه إلى صلابة شعري، وأحوجني مع شهواتي إلى رقة شعره)
وأملى أبو العباس في (كامله) الحكاية مطوّلة، وجاء في ختامها:(فقال الفرزدق ما أحوجه مع عفافه إلى خشونة شعري، وأحوجني مع فسوقي إلى رقة شعره)
فالفرزدق وجرير في الإسلاميين يحسبان مثل حبيب والوليد في المحدثين:(ترى ألفاظ أبي تمام كأنها رجال قد ركبوا خيولهم واستلأموا سلاحهم، وتأهبوا للطراد، وترى ألفاظ البحتري كأنها نساء حسان عليهن غلائل مصبغات، وقد تحلين بأصناف الحلي)
وهي طبيعة المرء، وهو مزاجه:(كان القوم يختلفون في ذلك، وتتباين فيه أحوالهم، فيرق شعر أحدهم، ويصلب شعر الآخر. وإنما ذلك بحسب اختلاف الطبائع وتركيب الخلق)
وقد قلت في بحث قبل: ما اختلف الطائيان الأكبر والأصغر في الطريقة، إلا لاختلاف الخليقة، فمن تشددت خليقته استفاد للجزالة ومتنت عبارته. ومن سجحت ضريبته رقت