كلمته؛ فالأمر عائد إلى الطبائع. وقول الإفرنج في هذا المعنى معروف
(والفرزدق وجرير والأخطل أشعر العرب أولاً وآخراً، ومن وقف على الأشعار ووقف على دواوين هؤلاء الثلاثة علم ما أشرت إليه. وأشعر منهم عندي الثلاثة المتأخرون، وهم أبو تمام وأبو عبادة وأبو الطيب المتنبي، فإن هؤلاء الثلاثة لا يدانيهم مدان في طبقة الشعراء)
وللثلاثة الإسلاميين فضيلتان، وللثلاثة المحدثين الذي هو لهم. وقد تخرج الآخرون على الأولين وأمثالهم التخرج التام. وثقفتهم تلك الحضارة، ورأوا دنيا لم يرها سالفهم في الزمن، وأوثروا بما أوثروا به، فتفوقوا على غيرهم، ولم يجيء من بعدهم أشبابهم
ومن الأسباب التي برع بها الإسلاميون الجاهليين:(أن هؤلاء الذين أدركوا الإسلام سمعوا الطبقة العالية في القرآن والحديث اللذين عجز البشر عن الإتيان بمثليهما لكونها ولجت في قلوبهم، ونشأت على أساليبها نفوسهم، فنهضت طباعهم وارتقت ملكاتهم في البلاغة على ملكات من قبلهم من أهل الجاهلية وممن لم يسمع هذه الطبقة ولا نشأ عليها)
والفرزدق أفضل الثلاثة الإسلاميين، وقد وصفه وصاحبيه خالد بن صفوان في خبر في الأغاني، وفي قوله حق كثير، وأسلوبه يحكي وصف (الهمذاني) الفرزدق وجريرا في المقامة القريضية. وهذا ما نسب إلى خالد:(أما أعظمهم فخراً، وأبعدهم ذكراً، وأحسنهم عذراً، وأسيرهم مثلاً، وأقلهم غزلاً، وأحلاهم عللاً، الطامي إذا زخر، والحامي إذا زأر، والسامي إذا خطر، الذي إن هدر قال، وإن خطر صال، الفصيح اللسان، الطويل العنان - فالفرزدق. وأما أحسنهم نعتاً، وأمدحهم بيتاً، وأقلهم فوتا، الذي إن هجا وضع، وإن مدح رفع - فالأخطل. وأما أغزرهم بحراً، وأرقهم شعراً، وأهتكهم لعدوه ستراً، الأغر الأبلق، الذي إن طلب لم يسبق، وإن طلب لم يلحق - فجرير)
وقال أبو الفرج:(الفرزدق مقدم على الشعراء الإسلاميين هو وجرير والأخطل. ومجاله في الشعر أكبر من أن ينبه عليه بقول، أو يدل على مكانه بوصف؛ لأن الخاص والعام يعرفانه بالاسم، ويعلمان تقدمه بالخبر الشائع علماً يستغني به عن الإطالة في الوصف (وقد) اختلف (الناس) بعد اجتماعهم على تقديم هذه الطبقة في أيهم أحق بالتقدم على سائرها. فأما قدماء أهل العلم والرواة فلم يسووا بينهما وبين الأخطل لأنه لم يلحق شأوهما في الشعر، ولا له