تصبح مدارك الحرية اقتصادية كانت أو سياسية، وهي آراء نسبية أي خاضعة لمقتضيات الظروف. والعلاقة الصحيحة القائمة بين الحرية الاقتصادية والحرية السياسية في وقت معين وفي ظروف خاصة هي عندي موضوع يجب أن يعرض في حينه للبحث الحر والدراسة الصحيحة والاستقراء السليم، وليست بتلك المذاهب السياسية أو الاقتصادية الموضوعة. فأصحاب المبدأ الذي نادى بحرية التجارة ورفع القيود الجمركية من ناحية، وأتباع العقيدة المرقصية من ناحية أخرى، مسئولون مباشرة أو من طريق غير مباشر عما أصاب لفلسفة الحرة من كسوف تلك الفلسفة التي كانت دعامة النظر الحر في القرن التاسع عشر. ولو قدر لدعاة الاشتراكية أن يقفوا اليوم وقد تملكهم العجب وحاروا من أثر ما يرونه من مقاومة الحكومات الاستبدادية لإقحام العقيدة المرقصية في روسيا وإكراه الناس على اعتناقها، فإنهم يحسنون صنعاً لو أنعموا في الأمر النظر ليعرفوا إلى أي حد قد يتكشف تحقير المرقصية والاشتراكية لمبادئ الحرية السياسية عن دواعي الشرور التي ألموا لها وبكوا عليها. إن ديكتاتورية الطبقات الدنيا ومذهب صراع الطبقات ليتناقضان مع النظر الفلسفي الصائب مثلما تتناقض معه عقائد الفاشية والنازية؛ إذ لا يتهيأ للناس مع الحكومات الاستبدادية التي تتولى السلطان باسم الطبقات الدنيا أو الطبقات المجردة من الملكية من كفالة العيش والاطمئنان للحياة أكثر مما يتهيأ لهم مع الحكومات الاستبدادية التي تنهض بالحكم على حساب جماعات الشعب الأخرى التي قد يكون لديها من حطام الدنيا ما يفرض عليها أن تفقده ويعز عليها أن تتخلى عنه أو تفقده. ولقد كان هتلر في عبارات قليلة من كتابه (كفاحي) أكثر فطنة وأبعد نظراً منه في تلك العبارات التي عبر بها عن مخاوف الطبقة المتوسطة الضعيفة من أن ترجع القهقرى فيلقى بها في غمار الطبقة الدنيا من الأجراء البائسين التي عملت على الإفلات من التردي في غمرتها. وما أصابه هتلر من