للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[اللغة والفكر. . .]

للأستاذ محمد محمود زيتون

بقية ما نشر في العدد الماضي

الأصل في النسبة بين اللفظ والمعنى أن تكون المطابقة التامة أو التكافؤ بمعنى التساوي، أي أن لفظ كذا يساوي معنى كذا. ولكن التقدم الإنساني وتعقد الأمور استوجبا صعوبة اشتقاق ألفاظ جديدة لمعان جديدة فأطلق لفظ واحد على عدة معان كقولنا (العين) اسماً على عضو الإبصار، والماء الجاري، والسيد في قومه، والشيء المتحقق في الوجود! وغير ذلك من المعاني التي تطلق عليها كلمة عين.

غير أن هذا التعقيد في الحياة أدى إلى نتيجة عكس الأولى، فقد أصبح المعنى الواحد يحمله عدة ألفاظ كقول العرب على الأسد: ليث، ضرغام، غضنفر، هزبر، ضيغم.

ولا ندري مع ذلك إن كان تكثير اللفظ هكذا دليلاً على عهود الفوضى الاجتماعية، أو على الثروة اللغوية أو على تعدد القبائل الناطقة بلغة ما، وإن كنا نعلم أن البدوي في الحجاز الذي رأى السيارة لأول مرة فأطلق عليها فوراً وهو يشير إليها كلمة (الراكضة) بينما نقول (السيارة) وكما نقلنا لفظ (القطار) من المطر إلى القافلة إلى ذلك الذي يجري بعجلاته على قضبان الحديد.

ومن الواضح أن الاسم المنقول في انتقاله من معنى إلى آخر إنما يحمل معه ذكرى الحياة السابقة عليه، ولكنه مع ذلك يثير مشكلة كان الأجدر به أن يخمدها وقد يكون الإجماع القومي من السلطان والنفوذ بحيث يقضي على هذه المشكلة هي الخلط بين المعاني المرادة. فاللفظ (كفر) كان في الأصل بمعنى (غطى) ثم انتقل إلى معنى جديد يفهمه الآن كل الناس في لغتهم الدينية فيقولون: فلان كافر بنعمة الله. أو كافر فقط. وحتى هذه المرحلة لا يزال اللفظ مخلصاً لتراثه القديم وأصله الأول، ولو أردنا إحياء هذا الأصل - وهو مشروع - صادفتنا هجمات لا نقوى على احتمالها. فإذا قالت الأم لابنتها: يا بنت اكفري أخاك. بمعنى: غطي - وهو صحيح - لا تلبث البنت أن تعجب وتنفر من كلمات أمها وربما داخلها الشك في عقليتها.

والحد في - عرف المناطقة - ما يصلح لأن يخبر به وحده، أو يخبر عنه وحده، وهو

<<  <  ج:
ص:  >  >>