الضمير عند بعض الناس ترس الخائف الذي يحتمي بمجنه، وهو عند غيرهم سلاح الصائل، وعند آخرين آلة نصب واحتيال، وعند غيرهم بمنزلة الثياب الجدد التي يلبسونها أيام الأعياد والمواسم والصلوات ويخزنونها في الأيام الأخرى وهو تارة كالمصباح المنير
وترى كثيراً من الناس يكثرون من ذكر ضمائرهم أو يفعلون ما هو أدهى من ذلك فيكثرون من ذكر العدل والحق، وهي لقيمات يطريها كل منهم ويود أن يضعها في فم غيره، وهي أحمال وأثقال يمدحون الاضطلاع بها وكل يود أن يضعها على كتف غيره أو على عنقه، وما ذلك إلا لأن الناس ينشدون السعادة، والسعادة لا تكون إلا إذا اصطلح شر الحياة وضمير الإنسان، وإذا اصطلح المثل الأعلى ومثل الحياة الدنيا، وقد يكون فكر المرء وقوله خيراً من خلقه وفعله، لأن أعمال المرء رهينة بإحساسه لا بفكره وقوله، وقد يكون فكره نبيلاً وقوله جليلاً ولكن إحساسه يدفعه إلى سبيل غير سبيل هذا النبل والجلال في القول والفكر
ولما كانت الرذيلة أحوج الأشياء إلى مظاهر الفضيلة عم الكذب والرياء بين الناس انتفاعاً بمظاهر الفضيلة وحقيقة الرذيلة من كسب أو متعة. وهذه المظاهر تجوز على الناس ويحسبونها فضيلة أو هم يدعون الانخداع لها رغبة في التقرب إلى صاحبها والانتفاع برضائه عن انخداعهم بظواهر نفسه، وهذا منشأ انقلاب أوضاع الحياة، وهم يطلبون منه أن يدعي الانخداع بظواهر نفوسهم كما ادعوا الانخداع بظواهر نفسه، والمسألة كلها مسألة كسب يتبادل فيتعاونون على الحياة بتزكية كل منهم الآخر
وللضمير وسائل أخرى لتزكية النفس كأن يخلع صاحبه عيوب نفسه على غيره، ويلج في معاداته كي يبرئ نفسه فتكون لجاجته في خلع عيوبه على غيره دليلاً على عيوبه كما تكون لجاجة الأجرب في الحك دليلاً على موضع الجرب منه في نظر الطبيب
وكثيراً ما يتحمل الضمير الأعذار من أجل رغبة صاحبه في الأذى ولذته في الإساءة إلى الناس، وعوامل الشر في نفس المسيء قد لا تكون في حاجة لمسوغ يثيرها ولكنها تكون في حاجة إلى فرصة تستخدمها حتى ولو لم يكن لها مسوغ، فإن مسوغ الإساءة في كثير