للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في الأدب المقارن]

أثر الفنون في الأدبين العربي والإنجليزي

للأستاذ فخري أبو السعود

تختلف الفنون في مجالاتها وبعض وسائلها: فللشعر من القدرة على وصف الحركة وتناول الأشياء المتباعدة في الزمان والمكان ما ليس للتصوير، ولهذا من المقدرة على بيان دقائق الموصوف وتحديد ماهيته ما يعوز الشعر؛ ولكن الفنون تتفق جميعاً في غايتها التي هي التعبير عن تأثر الإنسان بروائع الحياة وشغفه بجمالها، وفي كثير من وسائلها التي تتصل بطبائع الإنسان وميوله: كالتناسب والتماثل والتكرار في الشكل أو في النغمة أو في الروي، والتقابل والتضاد في كل أولئك.

فالفنون على تعددها مظاهر شتى لصفة إنسانية واحدة، هي ترهف الشعور وحب الجمال. ولا يخلو المبرز في أحد الفنون من بصٍر بسائر وإن قل، وحب لها يعلو على حب الفرد العادي. وكثيراً ما جمع الفنان الموهوب بين فنون عديدة يبرع فيها جميعاً؛ وقد نبتت الموسيقى والشعر والرقص بين الجماعات الأولية من أصل واحد ونمت حتى استقل كل منها. وكان الشعر في بدئه موسيقى عجماء وصيحات غنائية غير ذات معنى، ثم داخلها المعنى تافهاً في أول أمره، وما زال يتعاظم شأنه حتى احتل المكانة الأولى في الشعر، وإن لم تفقد الموسيقى أهميتها في رصانة القصيد، فأي شعر خلا منها قصر عن أوج الكمال مهما سما معناه.

وقد مارس العرب والإنجليز تلك الفنون الثلاثة: الموسيقى والرقص والشعر، منذ عهودهم الأولى، وارتقت موسيقاهم بمخالطة الأمم الأخرى: فأخذ العرب عن الفرس، والإنجليز عن الإيطاليين خاصة والفرنسيين ما لم يكونوا يعرفون من أصوات الموسيقى وآلاتها ومصطلحاتها وبان أثر ذلك في أدبهم. وأبدع أمثلة لشعر الغناء والرقص في الإنجليزية قصائد ملتون التي نظمها قبل انغماره في حركة المطهرين. وممن تغنى من شعراء الإنجليزية بتأثير الموسيقى والغناء دريدن في قصيدته (مأدبة الاسكندر)، وكولنز في قصيدته (العواطف).

وبذلك تغنى أيضاً شعراء العربية، بل بلغ انكبابهم على غشيان مجالس الغناء والرقص حداً

<<  <  ج:
ص:  >  >>