للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بعيداً، بعد أن انتشر الترف عقب الفتوح، حتى كاد شعر كثير منهم، كبشار وأبي نواس، ينقسم إلى بابين رئيسيين: المدح الذي يطلب من ورائه المال الوفير، والتغني بمجالس اللهو والطرب التي ينفق فيها ذلك المال. ومن جيد ما قيل في وصف المغنيات وآلات الموسيقى قول ابن الرومي:

وقيان كأنها أمهات ... عاطفات على بنيها حوان

كل طفل يدعى بأسماء شتى ... بين عود ومِزْهَرٍ وكران

أمه دهرَها تترجم عنه ... وهو بادي الغنى عن الترجمان

ذات صوت تهزه كيف شاءت ... مثلما هزت الصَّبا غصنَ بان

وقوله في راقصة:

إذا هي قامت في الشفوف أضاءها ... سناها فشفَّتْ عن سبيكة سابكِ

وارتقى بين الأمتين حين تحضرنا فن العمارة، وقامت في بلادهما بيوت الملك والعبادة، والحصون والمعاقل، وتأثر فن العمارة في كلتيهما تأثيراً كبيراً بالطراز القوطي، واسترعت الأدباء تلك المباني الضخمة والحصون المشيدة، تروع الناظر فخامتها، ويعجب اللب من مغالبتها كر السنين ومصاحبتها جيلا من الناس بعد جيل؛ وشغل شعراء العربية خاصة بوصف قصور الملوك، وما حوت من ضروب الزخرف. ولفتت أذهان شعراء الإنجليزية وكتابها القصور والبروج المتخلفة من عصور الإقطاع تلك التي تجيش بذكريات الماضي والتي شهدت مصارعات الأمراء ومحنهم في غياباتها. وكانت لكثير من الأدباء مواقف بالكنائس والكتدرائيات، ولا سيما وستمنستر أبى التي تعج رحابها بآثار الماضي.

ووصلت يد كل من الأمتين إلى تراث اليونان، فاختلف موقفاهما: فأما الإنجليز فلم يتركوا شاردة ولا واردة من آثار ثقافة اليونان وفنونهم إلا تزودوا منها، فأحدث اطلاعهم على روايات سوفوكليس وأوربيدس انقلاباً في (رواية المعجزات) التي ترعرعت في الكنيسة في العصور الوسطى، فالتفتت إلى تصوير طبائع النفس الإنسانية، أي صارت فناً؛ وأخذ الإنجليز عن اليونان وتلامذتهم الطليان النحت والتصوير. وكانت بلاد اليونان وإيطاليا وما تزالان محج رجال الفنون الإنجليز من شعراء ومصورين ونحاتين وموسيقيين، وكانت صورهم وتماثيلهم وما تزال وحياً ونماذج لفناني الإنجليز؛ وأنجبت إنجلترا عدداً عديداً من

<<  <  ج:
ص:  >  >>