للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في الأدب المقارن]

الطير والحيوان في الأدبين العربي والإنجليزي

للأستاذ فخري أبو السعود

وحدة الأشياء واشتراكهم في صفات ترفعهم جميعاً عن الجماد وتميزهم بالشعور بالغبطة والألم. كل هاتيك حقائق من الموضوع بحيث اهتدى إليها الأولون قبل أن يحققها العلم الحديث ويفصل دقائقها وخوافيها؛ وتنازع الأحياء البقاء، وعدوان أقواها على أضعفها وفوز القوي بالغلب والبقاء، هذه كذلك أمور واضحة رأى المتقدمون مظاهرها وظهرت لمحاتها في آدابهم؛ وقد كان موقف الإنسان منذ عصوره البدائية من الحيوان غريباً لا يخلو من تناقض وطرافة: كان في أول أمره ينازع السباع البقاء ويفترسها ليتغذى بها، ثم استأنس بعضها وسخره في أعماله تسخير العبيد، وأتخذ بعضها للزينة والمسرة ثم عاد فقدس بعض عبيده أولئك ورفعهم إلى مصاف الآلهة، لأنهم يدرّون على حياته خيراً وبركة، بينما ظل يتلهى باقتناص أوابد الوحش. ويجرب بأسه وفروسيته باصماء حشاشاتها، والتفريق بين الأمهات منها وبين الصغار

واخترع خيال الإنسان في تلك العهود البعيدة عجائب الحيوان وغرائب الأطيار ومخيف الكائنات، كما توهم البابليون وحشاً هائلا يقذف الماء من فيه فيغمر السهل والجبل، وكما تخيل الإغريق الجياد الطائرة والسباع ذوات الرؤوس المتعددة وخلائق شعور رؤوسها أفاع باغية، وتوهموا الأبطال المغامرين منطلقين لقتال تلك السباع والأفاعي، وكما تصور العرب الغول والعنقاء، وزعم السندباد انه سافر على جناح طائر ميمون يدعى الرخ، وكما توهم أوائل الإنجليز سبعاً ضارياً قد ألقى الرعب في مملكة بأسرها، حتى صارعه فصرعه الأمير بيولف في الملحمة المسماة باسمه؛ ولم تكن كل هذه السباع الوهمية التي هذى بذكرها الإنسان في عهوده الأولى، إلا صدى لذكريات الوحوش الهائلة التي كانت تقطن البر والبحر في غابر الأزمان، وكان الإنسان المتوحش على فزع منها وحذر دائبين

فلما بلغ الإنسان طوراً من الحضارة أرقى، أنزل تلك العجماوات التي كان ألهها من محاريب عبادته، ونبذ تلك الخرافات وما بها من سباع وهمية، وعلم العرب أن الغول والعنقاء مستحيلان استحالة الخل الوفي، وظهر من المثقفين ذوي النفوس الرقيقة من انتهوا

<<  <  ج:
ص:  >  >>